سمعنا من قبــل عــن الفنادق العائمــة التي تجوب البحار والمحيطات تحمل عشاق السياحة والترفيه من الأغنياء وميسوري الحال ليقضوا على متنها أوقاتاً ملؤها الراحة والمتعة، واليوم نسمع عن المقابر العائمة التي تحمل الهاربين من الموت والدمار ليقضوا على متنها أوقاتاً ملؤها الرعب والخوف، بالتأكيد هي ليست لميسوري الحال؛ فهذه مخصصة لنقل الفقراء الذين مر «الربيع العربي» على بلدانهم فأحالها أثراً بعد عين ومدن أشباح تستحيل الحياة فيها، فلم يعد أمامهم خيار إلا خيار المجازفة وركوب البحر هم وأطفالهم على متن سفن إما أن تصل بهم إلى البر الآخر ليبدؤوا رحلة معاناة جديدة مع حياة اللجوء وإما تجنح بهم فتكون لهم مقابر عائمة.انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة المهاجرين «غير الشرعيين» الذين يقصدون السفر إلى أوروبا عبر البحر هرباً من جحيم الحروب في بلدانهم، على متن سفن متهالكة ربما تكون رحلتهم عليها هي رحلتها الأخيرة، ومع ذلك تحمل أضعاف العدد الذي يمكن لها حمله فيتجاوز عدد ركابها المئات ليجدوا أنفسهم بعد مسافة من الرحلة دون ربان والسفينة تسير لوحدها بعدما هجرها طاقمها أو اندسوا بين المسافرين ليقودها الكمبيوتر بعملية تعرف بالإبحار المبرمج، لتضطر سلطات الدول الأوروبية إلى التدخل وقيادة السفينة قبل غرقها واستقبال المهاجرين وعدم إرجاعهم على ظهر السفينة لعدم وجود طاقم عليها، إلا أنه في حالات ليست بالقليلة تغرق هذه السفن وسط البحر ولا تصل إلى وجهتها فيهلك ركابها، خصوصاً أن بينهم عدداً كبيراً من النساء والأطفال، فقد هلك في العام الماضي وحده 3000 إنسان من أصل 270 ألفاً، ومع تهالك هذه السفن وعدم صلاحيتها ووجود احتمال كبير لهلاك من يسافر عليها، تبقى الرحلة على متنها مكلفة جداً فهي تكلف من 6000-9000 دولار للشخص الواحد ويبلغ عائد كل رحلة مليون دولار تقريباً.هذه السفن التي تحولت إلى مقابر عائمة تقتل مواطنين من دول عربية منكوبة كسوريا وفلسطين والعراق وليبيا كل ما يطلبونه العيش بكرامة وأمن، فعجزت كل الدول العربية المحيطة بهم عن تلبية حاجتهم وإيجاد حل لمشكلتهم مع كل الثروات التي تملكها، فإن لم يكن ممكناً استقبالهم كما تفعل دول أوروبا فإنه من الممكن أن تسعى لإقامة مناطق آمنة لهم في دولهم والضغط على المجتمع الدولي بهذا الاتجاه لتنهي معاناة ملايين البشر، والحفاظ على حياتهم من الموت برداً وغرقاً
Opinion
المقابر العائمة
14 يناير 2015