من تابع الكلمات التي ألقاها الوفاقيون أخيراً في لقاءاتهم المنقولة على الهواء مباشرة والمبثوثة عبر الفضائيــات السوسة، خصوصاً فضائية «العالم» الإيرانيـــة، أو تلك المسجلــة، وتابع تغريداتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لا بد أنه لاحظ أنها ترمي إلى أمر واحد هو توصيل رسالة إلى الحكومة مفادها أن الوفاق «صمود»، وأن كل ما يحدث لها لا يؤثر فيها وأنه على العكس، ما يجري عليها يعطيها مزيداً من القوة ويزيدها إصراراً على مواصلة الطريق الذي اختارته لنفسها. لكن نوعاً آخر من تلك التصريحات والمقالات التي امتلأت بها المواقع الألكترونية التابعة لها اهتمت بأمر آخر هو محاولة التقليل من شأن كل شخصية قدروا أن لها علاقة بما يحدث للوفاق في هذه الفترة، الأمر الذي أوقعهم في زاوية لا تستوعب السياسيين، فليس من العمل السياسي تداول مثل هذه الأحاديث التي لا مكان لها إلا مع شاي الضحى. كل ما تقوم به الوفاق اليوم هو أنها تتباكى وتحاول أن تبرز نفسها على أنها مظلومة وأن ظالمها هي الحكومة التي تروج عنها أنها تسيطر على كل شيء بما في ذلك القضاء والنيابة العامة وتجير القانون لصالحها. من قرر أن يدخل في العمل السياسي ينبغي أن يتحمل كل ما قد يجري عليه. كل الذين اختاروا الدخول في هذه المساحة من كل بلدان العالم تعرضوا لصعوبات كثيرة وعانوا، الفارق بينهم وبين الوفاقيين أن أولئك استمروا في عملهم صامتين ولم يسمع لهم أحد «ونة»، بينما ملأ الوفاقيون المكان بصراخهم وطلبوا من العالم كله أن يأتي ويرى ما يجري عليهم ويتعاطف معهم. توقيف شخص اختار العمل السياسي من قبل النيابة العامة لفترة معينة أو صدور حكم ضده بالحبس أو الغرامة أو النفي أو سحب الجنسية منه مسألة عادية، بل عادية جداً في العمل السياسي، لذا فإن من المثير أن تفعل الوفاق كل هذا الذي تفعله هذه الأيام بنفسها حيث التباكي ليس من صفات السياسيين وحيث رد الفعل الطفولي لا مكان له في عالم السياسة. ومع هذا يمكن تبرير كل ردود فعل الوفاق، فالوفاق صارت تشعر بأنها بدأت تخرج من الساحة وتنتهي، فمن جانب توالت عليها الضربات الموجعة التي أخلت بتوازنها. ومن جانب آخر فوجئت بحجمها الحقيقي في الشارع، حيث كشفت المظاهرات محدودة العدد التي سيرتها احتجاجاً على هذا الموضوع أو ذاك أنها لا تمتلك قاعدة جماهيرية تيسر لها أمر ممارسة الضغط على الحكومة، كما كشفت عن أن ائتلاف فبراير سحب البساط من تحتها ووضعها في جيبه، عدا أنها فوجئت بأن الجمعيات السياسية الأخرى اكتفت بمساندتها بالكلام، وأن كل تصريحاتها ومواقفها لم تفدها شيئاً، بينما اكتفى مناصروها في الخارج بمجاملتها بإصدار بعض البيانات والتصريحات التي قلل محتواها المليء بالتهديدات من قيمتها.من الطبيعي أن تقول الوفاق إنها لن تعجز، لكنها ستعجز سريعاً، ولن تتأخر كثيراً عن الإعلان عن عجزها. اليوم لا قيمة للوفاق في الشارع ولا وزن كالذي تعتقده أو توهم نفسها به، ليس بسبب توقيف أمينها العام وحبس رئيس شوراها ولكن لأنها لم تعرف كيف تمارس العمل السياسي، فمكنت ائتلاف فبراير منها فأخسرها الشارع، ولم تتمكن من تكوين علاقة مع الحكومة تعود عليها بالنفع، فقد قطعت كل الخيوط معها ولم تكسب سوى معاداتها.ما ينفع الوفاق اليوم هو أن تودع أحلامها وتعود لرشدها وتحاول أن توجد قناة توصلها بالحكومة كي تثبت أنها إنما تريد أن تخدم هذا الوطن وكل المواطنين، فهذا أفضل لها ألف مرة من التباكي ورفع شعار المظلومية.