الحملة التي أطلقتها أمانة العاصمة أخيراً في جميع مناطق العاصمة لإزالة أعمدة الحديد والحواجز التي تستخدم لحجز مواقف السيارات بدت وكأنها غارة، حيث تم التعامل مع المخالفات بإزالتها بالقوة وبشكل مفاجئ. الحملة كانت ثورة على التجاوزات غير المبالية بالمظهر الحضاري للعاصمة، ولعلها جاءت متأخرة، فالقاطنون في الأحياء القريبة من سوق المنامة بشكل خاص وغيرها من الأحياء وأصحاب المحلات التجارية، وبسبب ضيق المساحات وازدياد أعداد السيارات وخشيتهم من عدم حصولهم على مواقف لسياراتهم قريبة من بيوتهم أو ملاصقة لمحلاتهم لجؤوا إلى «طريقة ذكية» تمثلت في وضع أعمدة من الحديد يوصل بينها بحبال كي لا يتمكن أحد من ركن سيارته في المواقف التي اعتبروها ملكاً خاصاً لهم فترة غيابهم، لكنهم أبداً لم يهتموا بالناتج المتمثل في المنظر البشع الذي تسبب أيضاً في مشكلات للآخرين وأدخل الجيران في مشاجرات شبه يومية معهم أثرت على علاقات الود التي استمرت فيما بينهم طويلاً.ما قامت به أمانة العاصمة لوضع حد لهذه الظاهرة أمر طيب، لكنها لن تحل المشكلة، وكما أنه ليس من حق صاحب البيت أو الدكان في أي حي من الأحياء القديمة حجز جزء من الشارع أو الطريق الملاصق لعقاره واعتباره ملكاً له، فإن من حقه أيضاً أن يحصل على موقف قريب يركن فيه سيارته، خصوصاً إن كان من الذين يجدون صعوبة في المشي أو كان مسؤولاً عن مريض يصعب عليه المشي لمسافات.ما قام به سكان تلك الأحياء كان اضطراراً ومحاولة لإيجاد حل لمشكلتهم هذه، وما قامت به أمانة العاصمة كان اضطراراً أيضاً ومحاولة لإيجاد حل للمشكلة التي خلقها القاطنون وهم يحاولون حل مشكلتهم. هذا يعني أن من المهم التعاون للوصول إلى حل يحقق الأهداف كافة ويرضي الجميع، ذلك أن قيام أمانة العاصمة على إزالة الأعمدة والحواجز المخالفة بقوة القانون لا يعني أن المشكلة قد انتهت وحلت، وليس مستبعداً الآن أن تحدث مشادات ومشاجرات بين القاطنين الذين سيتسابقون على الحصول على مواقف لسياراتهم وسيلجؤون إلى الكثير من الحيل كي لا تفلت تلك المواقف منهم. لا أعرف إن كان ممكنا تخصيص ساحات قريبة من تلك الأحياء لتستوعب مجموعة من السيارات ولو بإيجار رمزي مقابل توفير الإحساس لأصحاب السيارات بأنها في أمان، ولا أعرف إمكانية الترتيب للاستفادة من مواقف السيارات متعددة الطوابق القريبة من تلك الأحياء لحل المشكلة.هيئة التأمينات الاجتماعية التي انتقلت إلى مبنى المكاتب التابع لفندق الراديسون ساس بالعاصمة حلت مشكلة المراجعين باتفاقها مع إدارة الفندق للاستفادة من مواقف السيارات المتوفر في نفس المبنى وإن بمقابل نصف دينار عن الساعة، لكنها وفرت على المراجعين الكثير من الوقت وتلف الأعصاب وهم يبحثون عن موقف يركنون فيه سياراتهم في المنطقة الدبلوماسية الفقيرة بالمساحات المخصصة للسيارات. وهكذا فعلت وزارات وشركات ومؤسسات أخرى تهتم بمسألة إزالة عقبة شح مواقف السيارات من أمام المراجعين أو الزبائن ومساعدتهم على إنجاز معاملاتهم بيسر وسهولة بتوفير البدائل المناسبة وغير المكلفة، من ذلك ما قامت به إدارة المستشفى العسكري أخيراً بسبب بناء بعض المباني الجديدة، حيث اهتمت بتوفير مواقف سيارات بديلة خارج المستشفى ووفرت باصاً صغيراً مهمته توصيل من يجد صعوبة في المشي والمرضى، وهو ما كان ينبغي من أمانة العاصمة أن تقوم به حيث إيجاد البديل جزء أساس من الحل الذي يفترض أن يكون دائماً، دون أن يعني هذا أن ما قامت به كان خطأ، فمثل هذا الإجراء رغم قساوته لم يكن مفر من القيام به، خصوصاً وأن شغل تلك المساحات بهذه الطريقة فيه تجاوز للأنظمة والقوانين المتعلقة بإشغالات الطرق
Opinion
أمانة العاصمة «تقتحم» العاصمة
23 يناير 2015