كانت اليمن، هذا القطر العربي الأصيل الذي تنحدر منه أصول العرب، قد تصدر المشهد السياسي وسيطر على نشرات الأخبار بعد دخوله في متاهة المجهول بطريقة متسارعة مع سيطرة ميلشيات الحوثي، والتي استطاعت السيطرة على العاصمة صنعاء وسط صمت عالمي وعربي وخليجي، عدا بعض الاجتماعات وبيانات الاستنكار التي لم تؤخر أو تقدم فيما يحصل على أرض الواقع من معارك عسكرية وسيطرة تامة للحوثي على مؤسسات الدولة، في ظل شلل غريب للآلة العسكرية ممثلة بالقوات المسلحة والجيش، الذي كانت اليمن تعد من الدول العربية الأقوى من حيث تعداد وعتاد جيشها إلا أنه كالملح الذي ذاب منذ العام 2011 وحتى اليوم في ظل تحقيق الحوثي انتصاراته المتتالية دون أي مقاومة فعلية لصده وإيقافه من التقدم أكثر. للأسف الشديد اليمن يعيش اليوم حالة من الانهيار والعبثية في مقدراته وتاريخه التليد بعد أن تمكنت جماعة الحوثي، وهم قلة، من إحكام قبضتهم على الجمهورية، وبلا شك ليسوا وحدهم إنما بدعم وتنسيق كامل مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي يعتبر اللاعب الأول فيما يدور في اليمن، وما التسجيل الصوتي الذي بثته قناة «الجزيرة» مع أحد القياديين في ما يسمى «أنصار الله» إلا دليلاً قاطعاً لا يقبل التأويل أو الفبركة والشك ذرة بأن من كان يتحدث شخص غير صالح، وهذا كان باعتراف ضمني من المتحدث باسم حزب المؤتمر عبده الجندي، الذي قال بأنه لا يوجد ما يمنع أن يكون هناك تواصل بين الرئيس السابق والحوثي على اعتبار أنهم قوة ضاربة على الأرض. الغريب في الأمر أن الحوثيين ولوقت قريب لم يكونوا بتلك القوة العسكرية التي نراها اليوم حيث تمكنوا من ابتلاع الشطر الشمالي لليمن تقريباً، وهذا ما يدعونا لأن نضع علامة استفهام كبيرة على سرعة الحوثي في امتلاك قوة عسكرية مكنته من أن يسقط العاصمة صنعاء في غضون أيام، هذا يعني أن هذه الجماعة التي يرأسها عبدالملك الحوثي لها ارتباط وثيق بجهات داخلية وخارجية في تمويله مالياً وعسكرياً، وهناك من يعطي هذه الجماعة غطاءً سياسياً والضوء الأخضر للزحف على باقي محافظات اليمن والسيطرة عليها بشكل كامل، والمؤشرات تدل على أن الحوثي يسعى إلى الاستحواذ على الجنوب ليبسط سيطرته التامة على اليمن بأكمله. عتبنا في حقيقة الأمر على دول مجلس التعاون الخليجية، حيث لم نر منها موقفاً حازماً أو تحركاً جاداً في سبيل إيقاف الحوثي عند حده، وتركت دول المجلس اليمن وحيداً يصارع على عدة جبهات، والنتيجة نراها واضحة سيطرة شبه تامة على مفاصل الدولة من قبل جماعة الحوثي التي تدين بالولاء لإيران وأموالها التي ساعدتهم على إنشاء قناة «المسيرة» التي تبث من بيروت، فضلاً عن تمويل الحوثيين في حروبهم الستة ضد حليف اليوم وعدو الأمس علي عبدالله صالح. التسارع الدراماتيكي للأحداث في اليمن والانقلاب على الشرعية وجعل الرئيس عبدربه هادي منصور حبيس القصر الجمهوري يتم إملاء الشروط عليه بقوة وتهديد السلاح يحتم على اليمنيين، وقبلهم القوى السياسية التي لا نرى لها أي موقف فيما يحدث وفضلت التزام الهدوء والابتعاد عن الساحة السياسية خوفاً من الحوثيين الذي سيحكمون اليمن، وتصبح للأسف كما قالت إيران صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي تكون تحت إمرتها وتتحكم بها بالريموت من طهران. - همسة..من يريد أن يبيع اليمن اليوم ضارباً بعرض الحائط الولاء للأرض من أجل تصفية حسابات الماضي والانتقام من الخصوم لا يملك أي ذرة من الوطنية ولا يهمه اليمن، وللأسف وضع يده بأيدي من يمثل إيران في شبه الجزيرة العربية!