يعرف الجميع مكانة منطقة الصخير عند شعب البحرين؛ حيث ارتبطت بذاكرة البحرينيين وحازت على أكبر وأجمل الذكريات عندهم، هذه المنطقة بدأت سماؤها اليوم تتلوث باللون الأصفر والرمادي والأسود، وأصبح هواؤها سماً قاتلاً يحرق خلايا الرئة وتعلق شوائبه بالدم، وهكذا تحولت الصخير من منطقة ذات هواء عليل إلى منطقة ذات هواء كل علة وداء، حين تمركز التخييم حول آبار النفط وحول بعض مصانع الغاز، وما أدراك ما ينتج عن هذه الآلات التي تنفث السموم؛ حتى يصبح الهواء مصبوغاً برائحة الكبريت والنيتروجين وغيرها من غازات سامة ذات رائحة، وغيرها من غازات ليست لها رائحة.اليوم نتكلم عن الأمراض السرطانية التي بدأت تنتشر، ونتكلم عن حالات العقم بين النساء والرجال، حيث أصبحت هذه الحالة واضحة ويمكن رصد من أصابهم العقم التام بكل سهولة بين أفراد العائلة والحي، غير من يحاولون الإنجاب عن طريق أطفال الأنابيب وغيرها من عمليات مشابهة، هذه الحالات لم تكن بهذا الانتشار، لا العقم ولا الأمراض السرطانية، والتي بدأت تأكل حتى أجسام الأطفال والشباب، والتي من أهم أسبابها التلوث، ولنر مثالاً على هذا التلوث منطقة الصخير التي يخيم فيها أغلب شعب البحرين أياماً وليالي طوال فصل الشتاء حتى الربيع، غير مدركين خطورة هذا التخييم وما ينتج عنه من أمراض في المستقبل.فعلى من تقع مسؤولية هذا التلوث القاتل؟ وهل هناك مؤسسة بيئية تحركت وتحرت؟ وهل هناك وزارة صحة سألت وبحثت؟ وهل هناك نواب أو غيرهم من مسؤولين حاولوا التطرق لهذا الموضوع؟ ثم أين المحاسبة والمراقبة على الشركات المسؤولة عن هذا التلوث وهي شركة بابكو وشركة بناغاز وشركة تطوير؟ فجميعهم شركاء في هذه الجريمة ليس على مستوى منطقة الصخير بل على مستوى جميع مناطق البحرين، حيث يقذف بهذه السموم يميناً وشمالاً، وبالطبع هناك محطات الكهرباء وغيرها من مصانع تساهم في رفع نسبة التلوث، وهناك أعداد سيارات هائلة، وهناك مصادر تلوث كثيرة، لكن اليوم سنتحدث عن الصخير طالما نحن في فصل الشتاء، وما تمثله هذه المنطقة من أهمية للمواطنين حيث تعد المتنفس الوحيد لهم في فصل الشتاء.هناك تجاهل من المسؤولين في هذه الشركات لخطورة التلوث، والذي من أهم أسبابه رداءة المصانع والآلات والصيانة، وقد تقوم على هذه الصيانة شركات ليست ذات كفاءة، كما قد تكون الآلات قديمة أو عديمة الكفاءة كلياً، وذلك إذا قسنا مقدار التلوث الذي لا يحتاج إلى أجهزة قياس من شدة تركيز الغازات في الهواء.ومع الأسف الشديد إن التلوث لا تشمله تقارير ديوان الرقابة الإدارية والمالية، وإن شملته فهو يبدو موضوعاً ثانوياً لا تعليق عليه من مؤسسة بيئية ولا صحية، وكما يبدو أن هذه الشركات ليس لديها عزم في الحد من انبعاثات هذه الغازات الشديدة السمية، لا في المستقبل القريب ولا البعيد، لأن مشكلة الانبعاثات الغازية ليست مشكلة الأمس وليست مشكلة وقتية، بل هي قائمة منذ عقود، حيث زادت شدة هذا التلوث في السنوات الأخيرة بعد البدء في حفر المزيد من الآبار بعد التعاقد بين تطوير وبابكو وبناغاز، حيث ثبت أنه ليس لأحد منهم استراتيجية من ناحية استيعاب نسبة الغاز المصاحب لحفر الآبار، ولم يكن هناك اتفاق لبناء مصانع على أحدث التقنيات، بل كان هناك حفر آبار بنفس المصانع والآلات ونفس شركات الصيانة التي تشرف على مصانع بابكو، والتي نعتقد بأنها لا تملك فنيين ولا مهندسين من ذوي الخبرة وقد تعتمد على الأيدي العاملة الرخيصة لإجراء الصيانة، كما لا نعلم من أي مصنع استوردت هذه الآلات، وأي رقابة بيئية تشرف على هذا التسرب الذي لو حصل في أي دولة أخرى لأعلنت حالة الطوارئ، ولكن هنا في البحرين يذهب الناس إلى التخييم حيث تمتلئ رئة أطفالهم بالغازات السامة ويرجعون لبيوتهم وهم في أقصى درجات السرور والحبور بأنهم قضوا موسم التخييم الجميل، غير متوقعين ماذا سيكون ثمن متعة التخييم.رسالة إلى المسؤولين ذوي العلاقة بأن ينظروا في قضية التلوث التي بدأت آثارها واضحة على صحة المواطنين، وها هي وزارة الصحة تتابع نسبة أمراض السرطان ونسبة الأطفال والشباب الذين نسمع عن إصابتهم يومياً، وها هي نشرة الوفيات؛ حيث وصل متوسط عمر المواطن إلى الخمسين وأقل.