هاتفنا النقال ذو الطراز الحديث يتوج يدنا، وملابسنا الفاخرة ذات العلامات التجارية العالمية التي نتباهى بها ونحاول أن نظهرها للملأ، وحقيبة اليد والحذاء وباقي المكملات من الزينة التي من شأنها، كما يعتقد الكثيرون، أنها ستزيد ثقلاً من وزننا الاجتماعي بين القوم، حتى وإن كانت تلك العلامات مقلدة غير أصلية المنشأ، واستطاعت أن تغش كثيرين من الجاهلين في هذا الإطار، أمور كثيرة تطورت في حياتنا، مقنعين أنفسنا أن هذا التطور أمر طبيعي بما يتماشى مع متطلبات هذا العصر والتي هي في ازدياد مستمر.إلا أن أمراً واحداً هو على النقيض يظل قابعاً مكانه متجاهلين حمله وإن فكرنا باصطحابه، فيكون استحضارنا له بخجل كبير وكأننا نحمل عاراً، والعياذ بالله، نحاول بشتى الطرق التهرب منه والتباهي بمرادف آخر، معتبرين أن من يلتزم به هو إنسان رجعي الفكر والمقام، والأغلبية لا تكترث بالاهتمام به إلا من رحم ربي. بالرغم من كل العراقة والأصالة التي يتمتع بها والموثقة في كتاب الله عز وجل، الكتاب المنزه عن التحريف والتغيير «القرآن الكريم»، والمنزل على قلب الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام بأعرق اللغات وهي «اللغة العربية». إذا كان حال لغتنا العربية بهذا الشكل الذي يكسر الخاطر؛ فهل فكرنا كيف سيكون مصيرها غداً في ظل استسلامنا لعمليات الغزو الفكرية المسيطرة علينا وعلى أبنائنا؟ ومن هو المسؤول عن المعتقد السائد أن التحدث والمخاطبة والكتابة باللغة العربية هو أمر غير واجب بين أمتنا العربية في يومنا هذا؟! من المسؤول عن الثقافة العشوائية للمفاهيم اللاحضارية بأنه كلما زدت «طرشقة» للكلمات الأجنبية، حتى وإن كانت ذا تركيبة قواعدية سطحية، سوف ترفع رتبتك الثقافية والاجتماعية؟ وأي مجتمع هذا الذي نتكلم عنه؛ مجتمع تنكر للغته وأصبح يعتبرها لغة القرون الوسطى!لمن يتنكرون لقيمة اللغة العربية لابد أن يكون لديكم العلم بأن تخصصات الطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات كانت تدرَّس باللغة العربية، بنفس اللغة التي تم اكتشاف هذه العلوم على أيدي أصحابها من المكتشفين والمخترعين والباحثين.أي أن الأجنبي في ذلك الزمان كان عليه إجادة اللغة العربية لكي يتعلم علومنا ليقوم بحذاقته بعدها بترجمتها وعرضها بالطريقة التي تغرينا، لنلحق ونقدر الحديث ونغفل أنه كان في يوم من الأيام نابعاً من جذور أرضنا العربية. فأنا وإن كنت من المشجعين على تعلم لغات أجنبية أخرى لأن اللغة علم كباقي العلوم، إضافة لكونها ستأمنا من مكر أهل تلك اللغة أو غيرها، إلا أنها في المقابل سوف توطد علاقتنا بأصحاب ممارسي اللغة، باعتبار إذا درسنا لغة قوم ما وفهمنا ثقافتهم وأطباعهم فلعلها تكون فرصة لتصحيح بعض الأفكار الخاطئة، والتي كانت حصاد الإعلام الدخيل الذي افترس تاريخنا العريق وحوّر به بمزاجيته المنسجمة مع أهدافه وتطلعاته.