حتى يكون المواطن على بينة من الأمور، بالأخص ما يتعلق بمجلس النواب الذي انتخب الناس أعضاءه ومنحوهم الثقة، لابد من أن يقف الناس على أداء نوابهم، وأن يكون ذلك بشأن دائم، لا ترك المسألة للتقادم الزمني ومن ثم يأتي المواطن وهو يضع رجلاً على رجل ليقول: «ما سووا لنه شيء»! وحينما تسأله ما هي أدوات قياسه وكيف هي متابعته لحراكهم، يرد عليك بكلام مرسل: «لم يحلوا مشكلة الإسكان، لم يزيدوا الرواتب.. لم ولم ولم.. إلخ»، وكلها إجابات غير واقعية باعتبار أن الحلول لا تقع من السماء عنوة ولا تحصل بين ليلة وضحاها.الفكرة هنا، تريدون انتقاد النواب انتقدوهم، بل اقسوا عليهم بالكلام، لا ترحموهم، لكن افعلوا كل ذلك على أسس، قوموا بذلك وأنتم تقفون على أرض صلبة، لا تمارسوا دور المنتقد لقضية ما لكنه غير ملم بكافة تفاصيلها وحيثياتها.البعض يمارس النقد بأسلوب «حشر مع الناس عيد»، أو مثل ذاك الذي يتحدث عن مباراة كرة قدم ينتقد فيها فريقاً معيناً ويصف سوء أدائه، ثم تسأله وسط الحديث «هل تابعت المباراة»، فيرد عليك «لا والله ما شفتها»، بالتالي «كيف تنتقد شيئاً لم تره، ولم تقف على تفاصيله».لست مدافعاً عن النواب، بل الصحافة والكتاب أشد من ينتقدون النواب، لكن نجاعة النقد تكون مبنية على أسس، وعلى متابعة وعلى قياس، ولذا نقول دائماً حينما تريد الخوض في موضوع أقلها كن ملماً بكافة تفاصيله.نعود هنا لهدف هذه السطور، إذ كم من المواطنين تابع أداء النواب في أول شهر لهم؟! أجزم بأن قليلاً يعرف تفاصيل الحراك، وقليلاً حرص على متابعة ما نشره التلفزيون من تغطية عن الجلسات، أو استمع لنقل الإذاعة للجلسات، أو حرص على قراءة الأخبار اليومية وتدوين «نعم تدوين» النقاط الرئيسة التي طرحت منهم، سواء على شكل أسئلة أو مقترحات برغبة أو مشاريع قوانين.وعليه الصحافة يمكنها أن تسهم في دور من تنوير الناس من منطلق متابعتها ورصدها للحراك البرلماني، إضافة لإسهامها في تحديد اتجاهات الناس عبر تحليل الحراك والحكم عليه، لكن المسألة الأخيرة لندعها اليوم جانباً، باعتبار أن المجلس انقضى من عمله شهر واحد فقط، وهو أصلاً منشغل بشدة في ما يتعلق بملف برنامج الحكومة، لكن لنتحدث بلغة الأرقام عن أداء النواب في شهرهم الأول «يناير» أو لنقل مدى استخدامهم لأدواتهم الدستورية.بحسب رصد صحيفتنا «الوطن» والذي نشر في عدد أمس، فإن النواب في شهرهم الأول وجهوا 27 سؤالاً لـ9 وزراء «الإسكان، الصحة، المالية، الطاقة، العدل، الأشغال، الخارجية، الصناعة والمواصلات»، بينما تقدموا بـ11 مقترحاً برغبة معنية بـ5 قطاعات «الإسكان، الصحة، الأشغال، التربية والداخلية»، في حين استخدموا أدواتهم الدستورية لاقتراح قوانين في 3 مواضيع.إذاً الحراك النيابي لم يكن «دون المأمول» في الشهر الأول وذلك بالنظر للأرقام، وأقر أن ذلك بانشغالهم في برنامج عمل الحكومة، إضافة لعملهم في جانب آخر على إعداد الرد على الخطاب السامي لجلالة الملك.هنا أدرك بأن قائلاً ما سيقول «المسألة ليست بالعدد ولكن بالنوعية»، وهذا قول يدل على وعي متقدم للناخب وهو ما نتمنى ازدياده، وعليه بحثاً عن النوعية فيما طرح من أسئلة ومقترحات برغبة وقوانين، لابد وأن تجد بعض الأمور تدفع الناس للتعليق على سؤال النائب أو اقتراحه بأن «ما عنده سالفه» باعتبار أن ما قدمه لا يمثل أولوية للناس، لكن بالتأكيد سيوجد شيء ما يتفق تماماً مع توجهات الناس.هنا سأقول بأن مقترحات القوانين الثلاثة التي قدمت في يناير لا يختلف عليها من سعيه العمل لأجل الناس، إذ مقترح القانون الأول كان يطالب بإلغاء استقطاع الـ1% للتعطل الذي هو من مطالب الناس، والحمد لله تحقق ذلك والشكر موصول لرئيس الوزراء حفظه الله على تعاطي حكومته الإيجابي مع النواب في هذا الشأن. أما مقترح القانون الثاني هو معني بتعديل اللائحة الداخلية للمجلس وينص على خفض عدد المصوتين على استجواب الوزراء من الثلثين إلى 21 عضواً، وهذا أمر طيب أيضاً يصب في خانة تسهيل استخدام أداة دستورية هي «الاستجواب»، ومقترح القانون الثالث يصب أيضاً في نفس اللائحة بأن يتم تقليل عدد الموافقين على سحب الثقة عن الوزراء إلى 19 عضواً عوضاً عن الثلثين. مقترحات القوانين الثلاثة طيبة كبداية، أما بالنسبة للأسئلة، فمنها ما هو مهم أيضاً ويتوافق مع مطالب الناس، مثل الأسئلة الموجهة للإسكان بشأن طلبات بعض دوائر المحافظات المختلفة وكذلك المشاريع، وما يتعلق بقرار فصل الراتبين، وكيفية مواجهة هبوط سعر النفط في ما يتعلق باستراتيجية وزارة المالية، إضافة إلى كيفية عملها على خفض عجز الموازنة. أيضاً الصحة في ما يتعلق بإنشاء مستشفى عام في الجنوبية، وأخطاء الأطباء وتعيين الكوادر الوطنية. وما وجه لوزير الطاقة بشأن فواتير الكهرباء المستحقة. إضافة إلى عدد من الأسئلة يتضح بأن البداية تبشر بواقع أفضل من المجلس السابق.وحتى لا ننتقص من قدر ما تقدموا به من مقترحات برغبة، فالمهم فيها هو زيادة علاوة السكن، ورفع سقف راتب الحصول على الخدمة الإسكانية إلى 1500 دينار للزوج فقط، توسعة بعض المراكز الصحية وفتحها على مدار الساعة.أوردنا كل ذلك من باب إنصاف النواب الجدد وتوسم الخير فيهم، وبالمرور على ما قاموا به من استخدام للأدوات حتى الآن، نكرر القول بأن البداية تبشر بالخير، في المقابل نوجه الكلام الآن لمسؤولي الدولة من الوزراء الذين وجهت لهم الأسئلة بأن المطلوب منهم المسارعة بمنح النواب إجابات كافية ووافية على تساؤلاتهم بحيث تتضمن حسماً لبعض المواضيع العالقة أو إيضاحات وتفسيرات، دون أن «ينام» بعض الوزراء على الإجابة حتى نهاية المدة الزمنية للإجابة أو المطالبة بمدها، بل نتمنى رؤية سابقة بمسارعة الوزراء للتفاعل مع أسئلة النواب. كذلك بالنسبة للقوانين فإننا نتمنى من مجلس الشورى أن يكون داعماً للقوانين التي يطرحها النواب وتكون مفيدة للناس، بحيث يكون هذا الدعم تقوية للقوانين المقترحة أمام أي سيناريوهات للرفض أو التعطيل من قبل الوزراء المعنيين بها. في حين القوانين برغبة، خاصة تلك التي بإمكانها تحقيق الرضا لدى المواطن وتصب في تلبية تطلعاته، نأمل أن يكون فيها إجماع نيابي وإصرار على تحقيقها، لا أن ينظر فقط لها بأنها «قوانين برغبة» تعامل بطريقة «صابت أو خابت».أخيراً نقول وبكل وضوح، إيراد هذه الأرقام ومتابعة أداء النواب خلال أول شهر لهم، ليس هدفها منح الفرصة والإشادة بنواياهم وبداية عملهم، بقدر ما هي أصلاً توثيق لما صدر عنهم، وتثبيت لقائمة من الأمور هم مطالبون بها الآن، خاصة وأنهم من اقترحها، وعليه تكون المتابعة أدق والتقييم أصدق.وهنا نعود للجملة التي كتبناها أعلاه «ليست المسألة بالعدد بل بالنوعية»، وهذا الذي يدفعنا لأن نأمل بألا تكون بداية النواب في أول شهر لهم مجرد «انطلاقة حماس»، بل بداية حقيقية لعمل جاد تتفاعل معه قطاعات ومسؤولو الدولة بنية صادقة لأجل صالح المواطن.
Opinion
بالأرقام.. ماذا فعل النواب خلال شهر يناير؟!
02 فبراير 2015