ما حدث من مواجهات كلامية مفتعلة من بعض النواب بسب ما أثير إعلامياً من فساد بالأمانة العامة لمجلس النواب يعود بنا لطرح قضية تسييس الكثير من مؤسسات الدولة، ونعني بها هنا سيطرة بعض الجمعيات والتيارات السياسية على هذه المؤسسات من أجل ضمان استمرار نفوذها السياسي في الدولة. هذه الظاهرة ليست بجديدة، بل كانت موجودة منذ تأسيس الدولة البحرينية الحديثة عام 1971، حيث عمدت مجموعة من التيارات السياسية للسيطرة على بعض مؤسسات الدولة وصارت حكراً عليها، وصار المسؤولون التنفيذيون فيها هم المتحكمون بها وبأنشطتها وبمختلف معاملات التوظيف فيها، وكذلك الترقيات والتدريب. بمرور الوقت صارت بعض مؤسسات الدولة مصنفة، فهذه مؤسسة مستقلة، وتلك تابعة لهذه الجمعية السياسية، وهذه تابعة لهذا التيار. واعتقد المسؤولون فيها أنهم يملكونها، وبالتالي مهما تعاقـــب عليهـــا مـن مسؤولين سياسيين «وزراء» فإنهم ليسوا إلا مسؤولين سياسياً، والإدارة التنفيذية مسيطر عليها من هذه الجمعية وهذا التيار. الأمثلة في هذا المجال كثيرة ومعروفة، وصار المواطنون عندما يرغبون بالتعامل مع مؤسسات الدولة لا يسألون عن الإجراءات المطلوبة لإنجاز بعض المعاملات، بل يسألون عن الجمعية السياسية أو التيار المسيطر عليها حتى يحددوا طريقة تعاملهم معها، وكيفية إنجــاز معـاملاتهــم. تتنوع أنشطة الاستحواذ السياسي على مؤسسات الدولة؛ فبعض المسؤولين يحرص على الاحتفاظ بنسخة من الهيكل التنظيمي للمؤسسة أو الوزارة التي يعمل بها، بحيث يبحث عن موظفين من جمعيته أو تيار السياسي لتوظيفه فيها. وإذا لم يجد الشخص المناسب فإنه يحرص على عدم التوظيف إلى حين أن يجد الكوادر المناسبة الموالية له من جمعيته أو تياره وإن استغرق ذلك سنوات. وبعض المكاتب السياسية للجمعيات السياسية صارت تحدد قرارات التوظيف في بعض مؤسسات الدولة وكأنها ديوان الخدمة المدنية المعني بالتوظيف الحكومي. الاستحواذ السياسي على مؤسسات الدولة، من القضايا المسكوت عنها، وطال أمدها، وحان الوقت لمعالجة هذه الظاهرة قبل أن تكون تحدياً كبيراً. وندرك جيداً أن هناك خطوات جادة خلال السنوات الأربع الماضية، ولكن يبدو أن هناك بعض البؤر مازالت نافذة، ومازال هناك من يعتقد أنه هو الوزير، وهو الرئيس، وهو المسؤول. مؤسسات الدولة أنشئت لخدمة المواطنين، وتنفيذ مختلف السياسات الحكومية، ولم تؤسس للاستحواذ السياسي لمجموعة من الجمعيات والتيارات السياسية التي رفضها الرأي العام وصار تمثيلها محدوداً للغاية في المجلس النيابي.