شخصياً؛ أنا مؤيدة للحملة المرورية التي نظمتها إدارة المرور بعنوان «أعد النظر»، لأنها ستمنحنا أماناً متوقعاً حين يلتزم الناس بالقوانين المرورية التي في الغالب يتم تجاوزها بسبب غياب الرادع القانوني وبسبب إقحام الواسطات في إلغاء المخالفات المرورية. ومن جهة ثانية منحتنا الحملة سيلاً من النكات والتعليقات الطريفة المقاومة للحملة التي ستخفف من وطأة الورطة المالية التي قد يتكبدها من يتورط في المخالفات المرورية.ولكن قيادة السيارة في الشارع أو مجرد السير فيه ليست مجرد قوانين يتعين علينا إعادة النظر في مدى التزامنا بها، التعامل مع الشارع جزء من التعامل الاجتماعي الذي يكشف عن قيم الإنسان ونمط السلوك الذي يؤمن به، فالسيارة الفارهة التي اعتنى صاحبها بتنظيفها وتلميعها تفاجئك حين يرمي صاحبها كيس الشبس أو كيس السندويشات من نافذة السيارة! نظافة السيارة لا تعني بالضرورة إيمان صاحبها بقيم النظافة، وفي الشارع لغة حوارية بين السيارات يمكن فهمها عبر الأبواق، فثمة ضغطة بوق لطيفة تعني السماح بالمرور أو الشكر على التعاون. وثمة ضغطة بوق طويلة وعالية تعني الزجر لتصرف مزعج. وأغرب أنواع الأبواق هي التي تصدر في الزحام عند الإشارات المرورية لأنها مبهمة المعنى. فالجميع يقف مستاءً من الزحام؛ فما هو المطلوب من الآخرين حين يضغط أحدهم على بوق سيارته ضغطاً مزعجاً لن تفهمه الإشارة المرورية ولن تستجيب له.سلوكيات كثيرة في الشارع لا ينظمها القانون ولكن ينظمها الذوق العام والتفاهم عن بعد وتفهم إيقاع الشارع وحوائج مستخدميه، كم هو مزعج حين تكون ملتزماً بمسارك كي تنعطف على أحد جوانب الشارع لتفاجأ بسيل من السيارات من المسار المجاور يقتحمون رأس المنعطف دون انتظار دورهم مثلك. هؤلاء يشعرونك أن وقتهم أثمن من وقتك، وأنهم غير معنيين بانتظارك والتزامك. وقد يقودك الغضب لمنع أي سيارة من الدخول أمامك فترى أحدهم يقتحم الطريق أمامك دون أن يأبه بمحاولاتك منعه من الدخول، ودون أن يلتفت تجاهك. فإما تدعه يمر وإما يصدم سيارتك. فهل لديك رغبة في ارتكاب حادث مروري في الصباح حتى لو كان الطرف الآخر هو المخطئ؟! في المقابل تحتاج أحياناً لتحويل مسارك وتلتزم بالتحويل من مسافة مقبولة ويكون تدفق السيارات معقولاً وغير سريع ولكن ترفض أي سيارة تخفيف السرعة للسماح لك بالتجاوز رغم إمكانية ذلك. فهل تغير مسارك وتسلك طريقاً آخر؟!في الشوارع الضيقة التي تكون محفوفة بالمحلات التجارية لا يتوانى البعض عن الوقوف الخاطئ والانتظار، لا مشكلة لديهم من سد الشارع مؤقتاً أو مضايقة السيارات. ذات مرة أوقفت أحداهن سيارتها ونزلت للتبضع تاركة السيارة تعيق الحركة تماماً في الشارع من الجانبين. وحين علا صوت الأبواق خرجت من المحل غاضبة تتلفت باستياء من الضجيج الذي أحدثته السيارات الغاضبة. فهل كان ينبغي أن ينتظرها الجميع حتى تنهي تبضعها بهدوء وهناء؟!تلك نماذج نصادفها يومياً، وقد نصادف نماذج أكثر منها تسبب لنا الضيق و»النرفزة» من صباح الله خير أو في عز الظهر. العديد منها لا يستوجب مخالفة مدرجة في قوانين المرور، لكنها تسبب تعطيلاً وتأخيراً وتعكير مزاج لما تدل عليه من قلة ذوق وعدم مراعاة للآخرين في الطريق. ونحن نعيد النظر في التزامنا بربطنا حزام الأمان وبالوقوف عند الإشارة وعدم استخدام الهاتف. فلنعد النظر في سلوكياتنا العامة وذوقنا الاجتماعي أثناء قيادة السيارة وأثناء السير في الشارع.