كل ما يشع في الحياة يقوم بعملية تبديد شيء من الظلام الذي يحيط به، ويعمل النظر على إتاحة الرؤية من جميع الجهات، وبالتالي يعطي المجال واسعاً للتعامل معه بصورة مختلفة عن كل ما يدور حوله. مركز حمدان لإحياء التراث؛ واحد من هذه الإشعاعات الإماراتية التي بدأت في تغيير وجهة النظر إلى الشعر الكامن في كل واحد منا، من كونه يتحرك من جهة واحدة، جهة الشاعر الذي يقول، وعلينا أن نؤمن كشعراء بما يقوله دون وجود مساحة للمشاركة فيما يقال.من خلال تواجدنا مباشرة في استوديو قناة سما دبي؛ رأينا رأي العين كيف استطاع حمدان أن يغير وجهة النظر هذه ويحولها من تلقي إلى مشاركة شعراء آخرين، واختيار أجمل قول متكامل في البيت الشعري.فقد قام حمدان بن محمد بصياغة شطراً طالباً من الشعراء الآخرين إكمال الشطر الثاني، واختيار أجمل بيت متكامل من خلال مروره على لجنة تحكيم من شعراء معروفين ولهم باع طويل في القول الشعري، طبعاً من خلال الإذاعة والتلفزيون وجميع وسائل الاتصال الجماهيري.هذا يجعل أي شاعر يرغب في المشاركة في إكمال الشطر الثاني متوفراً له مجال المشاركة المباشرة، سواء كان في البيت يشاهد التلفزيون مع عائلته، أو هو يسوق سيارته في طريق صحراوي أو شارع عام، يستطيع أن يوقف في مساحة ما ويكتب رسالته في الوتس اب أو في رسالة مصورة أو مسجله صوتياً، أو وهو يجلس مع أصحابه في المقهى منتشياً بكاسات الشاي والضحك والدردشة.إن هذه العملية غير المسبوقة في مجال الشعر أخرجت الشعر من مرحلة عملية التلقي الجامد إلى مرحلة المشاركة الفعلية في القول الشعري، وشخصياً أعتبر هذا الأمر مهماً في إعطاء البيت الشعري زخماً قوياً، لكني سأتوقف هنا أمام إكمال البيت بشطر واحد فقط، فليس من الضروري أن يكون صاحب الشطر الثاني شاعراً جيداً، بقدر ما أعطاه الله القدرة على استكمال ما يراه مناسباً، وقد تكون صدفة من الصدف التي يحصل عليها الإنسان.من هنا أرى ضرورة أن يكون هناك استكمال البيت الشعري وإضافة بيت آخر، بمعني أن يكون هناك بيتان شعريان يصبان في موضوع واحد ولا غني عنهما عن بعض. بهذه الصورة أستطيع كمتلقٍ أن أرى إجادة من قام بكتابة الشطر الثاني والبيت المكمل له.ومن الرائع أن يعبر مركز الشيخ عن رؤيته حول عملية تعامله مع التراث بصورة جديدة وقوية وفاعلة، حيث يرى أن تكون هذه الرؤية مصدراً ومرجعاً معتمداً وموثوقاً لحفظ ونشر التراث الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي، وتكون رسالته تعزيز التراث الوطني لدولة الإمارات ونقله بين الأجيال، والتعريف به على المستوى العالمي، وإجراء الدراسات والأبحاث، وتنظيم الفعاليات والبطولات التراثية، وتعمل أهدافه الاستراتيجية في حفظ وتوثيق التراث الوطني، ورفده بالدراسات والأبحاث العلمية، وتوفير المصادر والمراجع التراثية، إضافة إلى ترسيخ الثقافة التراثية في المجتمع، وتعزيز الوعي بالقيم والعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، إضافة إلى تعزيز تفاعل المجتمع مع تراثه الوطني، وتعميق دوره في حفظ الهوية الوطنية وتطوير أجندة تراثية لنشر التراث داخل وخارج الدولة.الحق أقول إننا نحتاج إلى مثل هذه الرؤى التي تخرجنا من العادي للمختلف ومن اليومي إلى الزمني ومن تكرار واجترار ما مضى إلى الفعل الذي يساهم في كسر الجمود.إنني أهنيء الشيخ حمدان على هذه الجرأة في الطرح والخروج عن النمطية إلى ما هو غير عادي وغير مألوف وغير مطروق، فله كل التحية وهو يحرث في فضاء لم يحرث من قبل.
Opinion
مركز حمدان بن محمد والخروج من النمطية
14 فبراير 2015