سألت صديقاً من إحدى القرى إن كان الذين أغلقوا متاجرهم، حيث يقيم، أغلقوها استجابة لنداء الإضراب الذي دعت إليه «المعارضة»، فأجابني بسؤال؛ وهل يوجد بين من رزقهم في التجارة من يغلق محله بمزاجه؟ وأضاف؛ كان التاجر في سنوات سابقة يغلق محله في حالة وفاة قريب له وفي أيام «التحاريم» احتراماً للمناسبة، لكنه اليوم لا يغلقه في أي مناسبة، وإنما يكلف أحد العاملين القيام بعمله ريثما ينتهي من أداء الواجب.وافقته الرأي وقلت إن التاجر الذي يغلق محله استجابة لدعوة تلقاها من هذا البعض أو ذاك ولمدة ثلاثة أيام متتالية يعتبر تاجراً غبياً حتى لو كان يؤمن بما يؤمن به ذاك البعض، لذا سألته عن الذي يدفع أولئك إلى إغلاق محالهم إن كانوا رافضين لتلك الدعوة أو غير مرتاحين منها، فقال إنه سأل بعض أصحاب المحلات في قريته عن السبب فقالوا إن ما يحدث هو أن البعض الذي وجه الدعوة إليهم لإغلاق محالهم أرفقها بتهديد صريح، وأنه سبق أن تضرر بعض أصحاب المحلات في القرى في مثل هذه المناسبات. قال إن أصحاب المحلات يخافون من قيام ذلك البعض بوضع مادة في أقفال الأبواب تخربها فيضطرون إلى تغييرها وهذا يكلفهم، وقد يتعرضون إلى عقوبات أخرى فيضطرون إلى إغلاق محالهم، لكنهم في حقيقة الأمر ليسوا مشاركين في الإضراب.آخر من القرى قال لي إن العديد من أصحاب المحلات شرحوا له معاناتهم وأكدوا أنهم اضطروا إلى إغلاقها تحسباً للأذى الذي يتوقعونه من هكذا أفراد يعتقدون أن مثل هذه الأمور تتم بإجبار الآخرين على المشاركة معهم في سلوكهم الخاطئ. بينما قال لي ثالث إن شقيقه الذي تعود أن يذهب معه إلى صلاة الجمعة آثر البقاء في البيت بسبب تأثره بعمليات الترهيب التي قام بها ذاك البعض، وأضاف متألماً إن شقيقه من الحريصين على صلاة الجمعة وحرمانه منها في ذمة من كان السبب. ما حدث في الأيام الثلاثة التي مرت من دون أن تحقق «المعارضة» أي فائدة منه هو أنها مارست الديكتاتورية وهي ترفع شعار المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا مأزق أوقعت «المعارضة» نفسها فيه وسيكلفها كثيراً، في الداخل والخارج، حيث الذين تضرروا من ممارساتها في الداخل لا بد أنهم سيتخذون منها موقفاً سالباً وسيتساءلون على الأقل عن هذا التناقض بين الشعارات التي ترفعها والسلوك الذي تمارسه، وحيث الذين يدافعون عنها في الخارج ويؤازرونها سيتبين لهم أنهم إنما يساندون «معارضة» فقدت عقلها وتوازنها إلى الحد الذي صارت ترفع العصا في وجه من تقول إنها تدافع عن حقوقهم؛ فتجبرهم على المشاركة في فعالية فقط كي تحظى ببعض الصور واللقطات التي سرعان ما تقوم فضائية «العالم» الإيرانية ببثها والقول بكل بجاحة إن الدعوة إلى الإضراب نجحت وأن «شعب البحرين» تمكن من شل البلد وأوجع السلطة. بالتأكيد ليس من المنطق أن يتم توجيه هذا الكلام إلى الفتية الذين لا يفهمون العمل السياسي، لذا يتم توجيهه بشكل مباشر وصريح إلى الجمعيات السياسية «المعارضة»، وبما أن جمعية الوفاق هي التي تحرك أولئك الفتية وتيسر أمورهم وتدعمهم بكل قوة، لذلك فإن الكلام يستثنيها ويوجه إلى الجمعيات السياسية المحسوبة على اليسار بشكل خاص مرفقاً بسؤال عما إذا كانت توافق على مثل هذه السلوكيات أم لا؟ وعليها أن تجيب بصراحة وشفافية، فإن قالت إنها تؤيد تلك السلوكيات الخاطئة فهذا يعني أنها مشاركة في التخلف ومتورطة في العنف حتى النخاع، وإن قالت إنها لا توافق عليها فإنها تكون ملزمة باتخاذ موقف صريح وعملي من تلك السلوكيات ومن ذلك التفكير، فهل تجرؤ؟
Opinion
المأزق الجديد لـ «المعارضة»
16 فبراير 2015