بعد استيلاء الحوثي على القصر الرئاسي في اليمن؛ أبدت إيران استعدادها لإجراء مفاوضات مع المملكة العربية السعودية. إيران تظن أنها باتت تملك ورقة قوية يمكن استخدامها قاعدة مفاوضات مع الغرب عامة ودول الخليج خاصة؛ حيث تدرك أهمية اليمن بالنسبة لكل منهما، فالغرب -ما عدا أمريكا- لا يرغب في تدهور الأوضاع في اليمن إلى أكثر مما هي عليه، لأن ذلك قد يشكل منطقة حرة لنشوء مزيد من الحركات الجهادية التي قد تحول اليمن إلى صومال أخرى تهدد مصالح أوروبا وتعكر عليها مساعيها الحثيثة الرامية إلى التمدد في المنطقة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية.أما السعودية ومعها دول الخليج العربي فهي لا تريد مشاهدة سقوط المزيد من الدول العربية في براثن الحروب الداخلية التي تزيد من نفقاتها وتهدد أمنها المحلي والإقليمي، فما خلفته التطاحنات الداخلية في العراق وسوريا خلفت لها حالات قلق أمني مستمرة، واليمن بالنسبة لها يشكل حديقة خلفية، وهي لا تريد أن يكون محاصراً من الشمال والجنوب والغرب بحروب داخلية. ومن هنا فإن إيران تدرك مدى الحساسية البالغة التي تمثلها الأحداث الأمنية التي يعيشها اليمن بالنسبة لهذه الدول، لذلك راحت تعرض المفاوضات على السعودية على أمل أن تقبل الأخيرة، ومعها دول الخليج الأخرى والغرب، بعرضها الذي لا يحمل سوى نقطة واحدة وهو النفط مقابل الحوثي، حيث لا يوجد ما يقلق إيران حالياً أكثر من تزايد انخفاض أسعار النفط، وهو السلاح الوحيد الذي يشد عضد إيران التي تزداد نفقاتها يوماً بعد يوم في ظل التدهور الحاصل لوضعها السياسي والعسكري على الجبهات العراقية والسورية، ناهيك عن تدهور جبهتها الداخلية التي أصبحت تتآكل يوماً بعد آخر نتيجة غلاء المعيشة وتدهور قيمة العملة وتزايد الفساد واشتداد الصراعات بين أجنحة الحكم.ولكن هل تنجح إيران في الحصول على مرادها من دول الخليج؟أعتقد جازماً بأن الكرة الآن في مرمى إيران وليس العكس كما يظن البعض، فمن استمع إلى خطاب زعيم جماعة الحوثيين المدعو عبدالملك الحوثي عقب استيلاء ميليشياته على القصر الرئاسي؛ يدرك أن الرجل كان متخبطاً ولا يدري ماذا يريد تحديداً، ويدرك المستمع أن الرجل واقع في ورطة، فاليمن في ظل وجود قوة قبلية وإسلامية مسلحة وفاعلة ووجود معارضة إقليمية ودولية لما قام به أكبر من قدرته على استيعابها، وأنه قد دخل في معترك أكبر من حجمه، وأن إيران قد حرقت المراحل واستعجلت في دفعه إلى أبعد من حدوده.لذا فإن على المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي أن تتأنى ولا تستعجل في الاستجابة للعرض الإيراني الذي يسعى لكسب عامل الزمن، وليس له خيارات وأوراق أخرى أكثر من التي لعبها لحد الآن، ومازال لدى دول الخليج أوراق كثيرة لم تستخدم بعد، خاصة في ما يتعلق منها بالشأن الداخلي الإيراني وما قد تسفر عنه فشل المفاوضات النووية بين إيران والغرب، وما قد يحدث من صدام مرتقب بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل والغرب من جهة أخرى.