في فرنسا تم أخيراً إجراء اختبار فريد من نوعه؛ اختاروا ساحة في العاصمة لا تخلو من المارة وقام أحد الأشخاص بالادعاء أنه مريض، يسير ببطء في المكان ويترنح قبل أن يسقط على الأرض ثم يتمدد بغية الادعاء أنه يتألم أو أنه أغمي عليه. الفيلم أظهر أن أحداً من الذين مروا في الساحة قريباً منه سواء كانوا من الرجال أو النساء لم يبادر بإسعافه؛ بل حتى بسؤاله إن كان يحتاج إلى سيارة إسعاف، بل إن كثيرين مروا من جانبه ولم يلتفتوا إليه باستثناء عجوز وقفت بالقرب منه لحظة ثم واصلت طريقها. اختبار لو تم إجراؤه في كل دول أوروبا والولايات المتحدة لما اختلفت النتيجة عن هذه، فهناك لا أحد يشفق على أحد ويعتبرون الدقيقة التي يصرفونها، سواء بسبب الفضول لمعرفة ما حدث للرجل أو للنظر في ما إذا كان يحتاج إلى مساعدة، خسارة كبيرة لا تعوض. في مسلسل مصري ناقش في جزئية منه هذا الموضوع يظهر أحد مشاهده مجموعة من الأفراد جالسين في مقهى بالقاهرة، رجل يتحدث في نفس هذا الموضوع إلى صديقه المشارك له الطاولة، قال له إن هناك في الغرب لا أحد يهتم بالآخر ولا يعنيه إن سقط على الأرض أو مات، وكي يثبت له وجهة نظر ارتجل موقفاً تمثيلياً؛ حيث تأوه بصوت عال وهو ينهض ووضع يده على قلبه فبادر كل من كان في المكان إلى مساعدته وأسرع طبيب كان متواجداً إلى الاطمئنان عليه بفحصه. هذا فارق مهم بين حال الناس هناك وحالهم في البلاد العربية. هناك لا ينظر المرء إلا إلى نفسه، أما في البلاد العربية فالأمر يختلف والعاطفة تحكم. لهذا فإن الخوف كل الخوف أن يأتينا يوم لا يسعف فيه بعضنا البعض ولا يهتم أحدنا بالآخر إن سقط في الطريق لسبب أو لآخر، فقط لأنه من الفريق الذي لا ننتمي إليه.حتى هذه اللحظة ورغم كل ما حدث في السنوات الأربع الماضيات من شرخ في المجتمع البحريني وأدى إلى اتخاذ أحدنا موقفاً من الآخر المختلف عنه في المذهب، حتى هذه اللحظة لانزال بعيدين عن الوصول إلى مرحلة عدم الاهتمام بالآخر في الحالات الإنسانية عندما نعرف أنه من المختلفين معنا مذهباً أو موقفاً، لكن استمرارنا في هذا الذي يحدث سيقربنا وللأسف الشديد من يوم كهذا لا نتصور حتى الآن أن يأتي. أمر مؤلم أن نصل إلى يوم كهذا نتردد فيه عن إسعاف بعضنا البعض ولا نفعل إلا بعد أن نتأكد أن المحتاج للمساعدة والإسعاف ينتمي إلينا ومن حزبنا، بل مؤلم حتى أن نتصور وصولنا إلى مثل هذا اليوم. قد يقول البعض إن في هذا مبالغة وخيال، ربما، لكن التمعن في واقعنا اليوم وفي سلوكيات البعض منا يجعلنا لا نستبعد الوصول إلى مثل هذه الحال. اليوم يتردد البعض منا عن القيام بواجب العزاء للآخر الذي كان قبل قليل أخاً وصديقاً وحبيباً، واليوم يستنكف البعض منا مشاركة الآخر المختلف معه في أفراحه أو حتى بتهنئته عند عودته من حج بيت الله الحرام.للأسف مثل هذه الصور صارت متوفرة اليوم في مجتمعنا، وهذا يعني أننا لسنا بعيدين عن ذلك اليوم الأسود الذي نرى فيه بعضنا البعض نتألم في الشارع ولا نلتفت وكأن الأمر لا يعنينا، وكأننا لم نتقاسم اللقمة في ما مضى من سنين عشنا فيها على الحلوة والمرة. ليس في الأمر مبالغة ولا هو ناتج عن نظرة تشاؤمية، فلو زاد ما نحن فيه اليوم فسنبلغ بكل أسف ذلك اليوم.