تصريح رئيس مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية الشيخ محسن العصفور الأخير لـ «الوطن» بشأن التقرير الشامل عن انضباط أئمة المساجد وقوله «بالخط العريض» إن هناك أئمة يستلمون رواتب من الأوقاف مقابل عملهم كأئمة مساجد وهم خارج البحرين (يعني لا يعملون مقابل الراتب الذي يحصلون عليه)، وإن عجز الإدارة المالي البالغ خمسة ملايين دينار تم صرفه على أئمة مساجد غير منضبطين، وبعضهم ملاحق أمنياً أو مصاب بشلل وعاجز، تصريح خطير للغاية لأنه يتعلق بالقيم وبالأخلاق قبل أن يتعلق بالمال، كما إن قوله إن التقرير كشف عن أن اثني عشر إماماً ومؤذناً فقط من بين مائة وخمسة هم الملتزمون بأداء واجبهم يزيد من خطورة ذلك التصريح. أئمة مساجد يحصلون على رواتب شهرية من دون أن يعملوا، يعني أنهم لا يأكلون لقمتهم بالحلال، لأنه شرعاً لا يجوز أن تحصل على أجر من دون أن تقدم مقابله عملاً، وقد يعتبر رشوة أو سرقة، وبما أن هذا الذي يحصل على الراتب هكذا من دون أن يعمل ويتسلمه ويقبل به وهو ساكت يندرج غالباً تحت مسمى «رجل دين»، فهذا يعني أننا أمام قصة لا ينبغي السكوت عنها ولا يجوز اعتبار موضوعها منتهياً بوقف تسلمه للراتب، ذلك أن شخصاً مثل هذا يفترض أن يمنع من إمامة المصلين أينما كان وتسحب منه الثقة بإعلان اسمه للمصلين كافة في كل مكان يتواجد فيه، لأن الأصل هو أن يكون الإمام الذي يتقدم المصلين محل ثقة، وهو في الحالة المذكورة ليس كذلك، وبالتالي الصلاة خلفه تظل محل شك.بالتأكيد لا يمكن لرجل في موقع الشيخ محسن العصفور أن يقول كلاماً من دون دليل خصوصاً أنه رجل دين، أما الدليل فهو أنه تحدث عن تقرير شامل تم إعداده ومراجعته جيداً من قبل متخصصين في الشؤون الإدارية والمالية، وتم بناء عليه اتخاذ قرار وقف صرف تلك الرواتب لأئمة المساجد والمؤذنين الذين قبلوا على أنفسهم أكل الحرام.في إحدى المؤسسات الصحافية التي عملت فيها؛ تم ذات مرة اكتشاف خطأ مالي يتلخص في أن موظفة ظلت تحصل على راتب شهري رغم أنها تركت العمل منذ شهور، وعندما تم استدعاؤها وسؤالها عن كيف قبلت أن تتسلم راتباً لا حق لها فيه رغم أنها سيدة يبدو عليها أنها ملتزمة دينياً ولا تفرط في الحجاب، كان ردها أن الخطأ منكم وليس مني! أي أنها اهتمت بالخطأ الإداري ولم تعط أي أهمية لمسألة الحلال والحرام. تلك امرأة، ربما ساعدتها تجربتها الحياتية المحدودة وقلة علمها بالدين رغم تحجبها على القبول بالمال الحرام وعدم تبليغ الجهة المعنية بأنها تتسلم راتباً لا تستحقه (في هذا الخصوص توجد أمثلة كثيرة لأشخاص يعملون في وظائف مختلفة قبلوا ويقبلون على أنفسهم تسلم رواتب وأموال لا يستحقونها)، لكن ما المبرر الذي يمكن أن يستند عليه أئمة مساجد يعرفون جيداً الفارق بين الحلال والحرام ويدركون الأحكام الشرعية ويقبلون على أنفسهم مثل هذا الأمر؟ المسألة خطيرة، وعلى هؤلاء الذين تم شطب أسمائهم من سجل العاملين لدى إدارة الأوقاف ووقف رواتبهم لهذا السبب أن يدافعوا عن أنفسهم ويثبتوا أنهم لم يتورطوا في مثل هذا الأمر وإلا اعتبر الناس ما قاله رئيس مجلس الإدارة عنهم صحيحاً مائة في المائة ودقيقاً، والمؤسف أنه كذلك. مسألة أخرى تعتبر خطيرة أيضاً هي سكوت علماء الدين الكبار وعدم بيانهم حكم الشرع في الأموال التي اقترفها أولئك من دون وجه حق، وما إذا كانت حلالاً (كونها نتيجة خطأ إداري) أو حراماً عليهم أن يعيدوها إلى إدارة الأوقاف، وكذلك تنبيه المؤمنين لسحب ثقتهم منهم.
Opinion
الأئمة والرواتب الحرام
21 فبراير 2015