السجال الذي بدأ مع تطبيق قانون المرور الجديد بين المعارضين والمؤيدين ينبه إلى العديد من الحقائق بشأن واقعنا المروري، فنحن وإذ نشكر الإدارة العامة للمرور وكافة القائمين على القانون المروري الجديد وحملة «أعد النظر»، كون كل ذلك يأتي لحماية أرواح الناس من استهتار البعض وعدم التزامهم بسلوكيات القيادة الآمنة، فلابد لنا أن نعرض للزاوية الأخرى التي توضح موقف بعض المتحفظين.إن الأصوات التي لديها تحفظ على بعض أنواع المخالفات في القانون الجديد، لاسيما قيمة المبالغ المتعلقة بها، لا يعني أن جميعها تؤيد الاستهتار في السياقة، إنما هي «تشوف شي يمكن ما يشوفونه» القائمون على القانون أو لا يعايشونه، وترى أن الالتزام قد لا يكون خياراً متاحاً دائماً أمام معضلة الواقع المروري في مناطقهم.المواطن البحريني وهو يعيد النظر في سلوكياته المرورية ويرتدي حزام الأمان ولا يخالف، مقدراً الجهد الكبير الذي قام به المسؤولون على القانون، يحمل رسالة مفادها «أرجو إعادة النظر في تخطيط شوارعنا المزدحمة.. أرجو إعادة النظر في بعض الأسباب التي تقود للتجاوزات والمخالفات قبل المحاسبة والمحاكمات.. أرجوكم كافئونا بنظام مروري سليم وسلس الحركة ثم حاسبونا وعاقبونا».إن كان الهدف الرئيس من وراء وضع القانون الجديد حفظ سلامة الأرواح، فقد كان من الضروري أيضاً التركيز على إيجاد مبدأ الثواب قبل العقاب، وإيجاد خيارات متعددة لضوابط الطرق تمنع أن تكون شوارعنا مصيدة للحوادث الدائمة.كثير من المواطنين طالبوا بوضع عداد الوقت على الإشارات تجنباً لمسألة «البريك المفاجئ»، الذي قد يتسبب بتصادم السيارات قبل الإشارة الحمراء، كما لابد من وضع إشارات تفيد بوجود كاميرا التجاوز قبل الإشارة، وأن الشارع مراقب بكاميرات السرعة، وكما عمل القانون الجديد على التشجيع بالالتزام بالقواعد المرورية عليه أن يشجع على ثقافة استخدام النقل الجماعي، وقبل كل ذلك إيجادها على أرض الواقع، إن إيجاد خيارات مرورية في شوارعنا هو البوصلة التي ستحدد خيارات السائقين وستلقي بالضوء بدقة أكثر على شريحة المستهترين والمخالفين.الناس ترى أن عقوبات الوقوف الخاطئ على جوانب الشوارع تحتاج لضبط وعقوبات رادعة فعلاً، لكن السؤال؛ هل تم توفير مواقف لسيارات الناس في هذه الأماكن المزدحمة؟ وفر العلاج والحلول ثم «خالف» المتجاوز والمخطئ لا أن تعاقب الإنسان الذي لا يجد حيلة له أمام تكدس السيارات وعدم وجود موقف وهو بحاجة إلى قضاء أعماله ووقته ثمين ومحدود.في الأسبوع الأول من تطبيق القانون؛ كنت قد مررت بالمنطقة الدبلوماسية ظهراً ولمدة تزيد عن النصف ساعة، كنت أبحث عن موقف حتى يئست، ولفت نظري شرطي المرور وهو يضع مخالفات بالجملة على خط طويل من السيارات التي توقفت فوق الأرصفة والفراغات الضئيلة في الشوارع، مثل هذه المناطق والمعروف أن البحث فيها عن موقف للسيارة مثل البحث عن إبرة في كومة قش تحتاج لمرونة في التعامل، خاصة وأن بعض شوارعها تخضع حالياً للصيانة وتتسبب في اقتطاع جزء كبير من مواقفها، وفروا مباني ذات طوابق متعددة للمواقف في الأماكن المزدحمة ثم خالفوا من يتوقفون فوق الأرصفة، أوجدوا البديل حتى لا يكون هناك مبرر أو اضطرار للمخالفة.سابقاً كان المشوار من المنزل إلى أحد المحلات لا يستغرق أكثر من عشر دقائق، أما الآن فيصل إلى نصف ساعة إن كان حظك حلواً أمام تكاثر الإشارات المرورية، وبشكل أصبح المرء يخشى أن يفتح «طبيلة منزله» ليخرج سيارته فيجد وراءها إشارة حمراء.هذا الكلام لا يعني أننا ضد القوانين المرورية التي تحفظ الأرواح، لكننا أيضاً مع معالجة سوء تخطيط شوارعنا وتخفيف تكدسات السيارات في الشوارع، سابقاً كانت الازدحامات المرورية تقتصر على المواقع الحيوية والشوارع التجارية، أما الآن فأصبحت تطال حتى الشوارع الجانبية في المناطق السكنية، ولكم في مناطق المحرق الجديدة كقلالي والحد والبسيتين مثال. كلامنا لا يعني التشجيع على مبررات المخالفة. إحدى مدارس المحرق لديها 100 موقف للسيارات مغلق بسبب انتظار رسالة الموافقة على فتحها، وبسبب ذلك تضطر المدرسات للتوقف على جوانب الطريق وفوق الأرصفة وعند أبواب منازل الجيران.هناك من يتبنى القاعدة المرورية التي تتناسب مع الأجواء الأوروبية، وهي إيقاف السيارة بعيداً في حال وجود مواقف عديدة والسير إلى المكان المراد، هذه النظرية صحيحة 100% في حالتين؛ وجود موقف بالأصل للسيارة، وثانياً إن كان الطقس يساعد على ذلك، يعني «ما يمديك توصل المكان في الصيف إلا وأنت ذايب وتعبان من الحر»، هناك نظريات مثالية وجميلة ولكن منطقياً لا تتناسب مع أجوائنا، فلكل بلد ظروفــــه.حتى مسألة إيقاف السيارات في بعض مناطق المحرق القديمة؛ هناك اتفاق شبه يومي بين الجيران أن يقفوا وراء بعضهم كون مناطقهم قديمة ولا توجد بها مواقف سيارات أصلاً، فهل وضع القائمون على هذا القانون بالحسبان مرونة التعامل مع هذه الحالات في هذه المناطق؟سؤال؛ هل هناك دراسة تمت على المناطق التي تكثر فيها الحوادث كدوار ألبا على سبيل المثال؟ هناك مشكلة أيضاً تطفو على السطح عند تساقط الأمطار نراها في شوارعنا وكيف تضطرب الحركة المرورية، مما يدفع الناس إلى التجاوز في سبيل الوصول لأعمالهم، إذاً فمشاكلنا المرورية تتقاطع مع جهات خدمية أخرى بالدولة كوازرتي الأشغال والبلديات.من الملاحظ أن الدراجة النارية أصبحت مستحبة لكثير من الشباب، ووجدوا أنها أسهل من السيارة، ولا ندري إن كانت هذه الظاهرة ستطال الفتيات يوماً في سبيل ضمان عدم التعرض لمشكلات من نوع عدم وجود مواقف لسياراتهن مثلاً؟عندما يوضع القانون تحت المجهر نجده فوق الممتاز في كثير من بنوده، فهو قانون متكامل وشامل ولكن علينا أيضاً أن نجند كل الظروف التي من شأنها ألا تجعل بعض بنوده حبراً على ورق أو غير منطقية التطبيق.هناك حاجة لضمان عدم ترحيل المشكلة ونقلها إلى مواقع أخرى، بحيث تختفي ظواهر التجاوزات المرورية من شوارعنا الرئيسة وتنتقل إلى الشوارع الجانبية أو تلك البعيدة عن أن تطالها يد القانون.الشوارع التجارية التي بالعادة لا توجد بها مواقف وتغزوها الأرصفة العريضة التي ليس لها معنى؛ لابد أن توجد آلية لتحديد مدة زمنية لعملية التوقف فيها، كما أن هناك حاجة لتعديل حدود السرعات في بعض الشوارع طالما هي شوارع مفتوحة وممتدة إلى مناطق بعيدة.تناولنا في مقالات عديدة مسألة عرض الأرصفة في الكثير من الشوارع والمناطق مقابل قلة مواقف السيارات، وكيف بالإمكان جعلها مواقف للسيارات وتوسعة مسارات الشوارع لتتحول إلى ثلاثة أو أربعة مسارات بدلاً من مسار أو مسارين.الحل أمام كل هذا ليس بجعل البحرين طابقاً آخر؛ بل بإيجاد جسور و«كباري» وأنفاق، القيادة فن وثقافة ودليل ترقي وتحضر البلد ونود أن نرى الناس تلتزم بذلك من مبدأ التحضر لا التحصن من المخالفات.