بعد أربع سنوات من العنف والإرهاب وسقوط وإصابة عدد من شهداء الواجب، استطاعت وزارة الداخلية وبحزم إعادة ضبط الأمور والسيطرة على مجريات الأحداث باحترافية وقدرة عالية، يشهد لها القريب والبعيد، واستطاعت بعد هذه السنوات تجفيف الكثير من منابع الفكر المتطرف والتمويل، والذين كانوا يسعون على الدوام إلى هز هيبة الدولة والدفع إلى فقدان الثقة بقدراتها وإمكانياتها تمهيداً لتنفيذ مخططاتهم بالانقلاب على الحكم.كل ما قامت به وزارة الداخلية من تعاط حازم وجاد مع تلك الأعمال، أثمر اليوم عن استتباب واضح للأمن، وإعادة ضبط الحالة الأمنية في البلاد، وهذه جهود لا يمكن نكرانها، حيث انعكست على حياة المواطنين اليومية، عدا عن بعض الأعمال التخريبية هنا وهناك في بعض الجيوب. الآن.. ماذا بعد؟!سؤال مهم يجب طرحه وبكل جدية من أجل الحفاظ، على الأقل، على الحالة الأمنية في البلاد، وإذا كنا أكثر تفاؤلاً يمكننا الحديث عن إعادة تأهيل وضبط ما تبقى من جيوب ومجموعات صغيرة هنا وهناك، لاتزال تؤمن بأن العنف هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق ما تراه مطالب لها.فكما كانت العمليات الأمنية جريئة وحازمة في إعادة الأمن؛ فمن الواجب الحديث اليوم عن خطة أمنية أكثر اتساعاً وأعمق أثراً تنفذها مؤسسات الدولة المختلفة؛ الداخلية، التربية، العدل، التنمية الاجتماعية.. وغيرها مـــن المــؤسســات ذات العلاقـــة، لإعادة تأهيل تلك المناطق ضمن خطة وطنية شاملة تهدف إلى نزع المفاهيم ذات التوجهات العنيفة من أدمغة الشباب المراهقين، والدفع بهم ليكونوا شركاء حقيقيين في بناء بحرين المستقبل، كما أراد لها جلالة الملك.هنا لا بد من طرح الأفكار والرؤى بجرأة ووضع الإصبع على الجرح مباشرة، دون الحاجة إلى تنميق واستخدام المحسنات اللفظية، والتي قد تخرج المقصود عن مبتغاه الحقيقي.في البحرين العشرات من المؤسسات الأهلية والحكومية يقع على عاتقها القيام بتلك المهمة، كذلك فلدينا المئات من الخبراء الاجتماعيين والنفسيين والمدربين، والذين بإمكانهم المساهمة في هذه الخطة الوطنية الطموحة، من خلال إعادة التأهيل ودمج الشباب في برامج وطنية والنأي بهم عن دعاة التطرف والعنف، والذين استطاعوا خلال السنوات الماضية العمل بحرية كبيرة في ظل غياب البرنامج الوطني الشامل، حيث تركت لهم ساحات القرى ومراكزها الثقافية والاجتماعية والشبابية، وحتى مدارسها، ليعيثوا فيها فساداً وزرعاً للأفكار المتطرفة والدخلية على مجتمع البحرين المتصالح.القوى الناعمة التي أتحدث عنها اليوم يمكنها، وخلال فترة قصيرة جداً، أن تحدث الفرق في السلوك والفكر، ويمكنها أن تكون الأداة الأقل كلفة والأكثر فعالية من سواها، وأن تسهم في تجاوز سنوات عجاف عاشتها البحرين على وقع تفجيرات وأعمال إرهابية راح ضحيتها أبرياء، لا ذنب لهم إلا أنهم أحبوا هذه الأرض وأخلصوا لقيادتها وعملوا على فرض هيبة الدولة وسلطتها، فتلقتهم قنابل المولوتوف، لا تفرق بين مدني وعسكري، صغير أو كبير، رجل أو امرأة، فاستشهد وأصيب منهم العشرات.- ورق أبيض..كل الصراعات حول العالم لا بد أن تنتهي يوماً ما، فلا وجود لصراع يستمر إلى الأبد يغذى بالأفكار المتطرفة والتمويل والشحن.الفرصة الذهبية متاحة اليوم لاستغلال حالة الهدوء التي فرضتها المؤسسة الأمنية للقضاء على الإرهاب والتطرف ورموزه من خلال الخطة الوطنية الشاملة لإعادة تأهيل الشباب ودمجهم في مجتمع المحبة والتسامح من جديد.