يبدو أن استخدام الأطفال في القضايا التي تتعلق بالاستغلال المشين تارة وبالعنف تارة أخرى أضحت قصة لا تنتهي في عالم الكبار، بل تطورت قضايا استثمار الطفولة في مسائل العنف، حسب تطور وسائل العصر، محاولة إعطائها بعض الشرعية، لكنها لن تستطيع أن تنجح في ذلك، لأن تعريف «الطفل» لن يتغير كما لن يتغير تعريف «العنف»، وكل منهما يتسع باتساع حجم المفهوم وتمدده في كل عصر.تؤكد «اليونيسيف» في تعريفها حول دلالات مفاهيم الطفولة والعنف «كثيراً ما يمارس العنف والاستغلال والإيذاء من قبل شخص معروف للطفل، بما في ذلك الآباء والأمهات وغيرهم من أفراد الأسرة والمربين والمعلمين وأرباب العمل وسلطات إنفاذ القانون والجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية والأطفال الآخرين. ونسبة صغيرة فقط من أعمال العنف والاستغلال والإيذاء يتم الإبلاغ عنها والتحقيق فيها، ويتعرض عدد قليل من الجناة للمساءلة. ويحدث العنف والاستغلال والإيذاء في البيوت والأسر والمدارس ونظم الرعاية والعدالة وأماكن العمل والمجتمعات المحلية في جميع السياقات، بما في ذلك نتيجة للصراعات والكوارث الطبيعية. ويتعرض العديد من الأطفال لأشكال مختلفة من العنف والاستغلال والإيذاء، بما في ذلك أيضاً الاعتداء والاستغلال الجنسي والعنف المسلح والاتجار بالأطفال وعمالة الأطفال والعنف القائم على نوع الجنس، والترهيب، ومن ضمنه الترهيب على الإنترنت، وعنف العصابات، وختان الإناث وزواج الأطفال، والممارسات التأديبية المصحوبة بالعنف الجسدي أو العاطفي، وغير ذلك من الممارسات الضارة الأخرى».هذه المفاهيم التي رسمتها «اليونيسيف» تعطينا انطباعاً عاماً بأن العنف ضد الأطفال أصبح من القضايا الكلية التي لا تتجزأ ولا تخفف، بل اتسعت مفاهيمها لتشمل كل أشكال العنف، صغر أم كبر، ليكون مدرجاً في النهاية تحت مسميات «الإرهاب».إن أخطر ما يمكن أن يقع في دائرة استغلال الأطفال في الأعمال الإرهابية أو العنيفة هو التبرير لهم أو إعطاؤهم الشرعية في دخول دائرة العنف، خصوصاً من الجهة الدافعة لهم أو المحرضة بجواز استخدام الأطفال في العمليات العنيفة أو الإرهابية، خاصة في المناطق الساخنة من العالم.إن صمت الأسرة وغيابها من حياة الطفل يعتبر المدخل الرئيس في قضايا استخدام الأطفال باتجاه العنف، وهي تتحمل جزءاً مهماً جداً من عملية تعرض أطفالها للخطر، كما يتحمل المجتمع والدولة وكافة منظمات المجتمع المدني جزءاً لا يستهان به من هذه المسألة الخطيرة.سيظل استغلال الأطفال في الأعمال العنيفة والإرهابية مداناً من كل المنظمات الإنسانية والحقوقية عبر العالم، ولن تعطي التبريرات مهما كانت عقيدتها أية شرعية في استخدام الأطفال لتنفيذ أجندة سياسية حتى ولو كانت غير عنيفة بالمعنى المتداول، فكيف بها لو كانت إرهابية؟ إن القاعدة الإنسانية والعقلية والدينية تقول بأن الطفل غير مكلف سياسياً، ناهيك عن التكليف العسكري، ولهذا فإن أي دفع بالطفولة باتجاه الرصاص أو المفخخات أو حمل السلاح بكافة أنواعه وأشكاله، وعلى كافة الصعد والجبهات، يعتبر جريمة كبرى في حق الطفولة، ولهذا يجب أن يساءل عنها المحرض، سواء كان سياسياً أو رجل دين أو منبراً أو كاتباً أو نائباً أو مفكراً أو أية شخصية اعتبارية تدفع الطفل للموت أو العنف ولو بأقل درجاته ومراتبه، فالعنف يظل عنفاً، والطفل سيظل طفلاً، ومن يبرر لهؤلاء الصغار العنف، يجب أن يحاكم ويحاسب على جرائمه بحق الطفولة، وهذه الصيغ والمفاهيم التي نتبناها هنا لحماية أطفال العالم وأطفالنا على وجه الخصوص، هي مواثيق دولية وإنسانية، قبل أن تكون «رأياً».