شعـــب البحريـــن يتكـــون مـــن جميـــع المواطنيـــن البحرينييــــن، والمواطــــن البحريني بغض النظر عن أصله وفصله ودينه ومذهبه وشكله ولونه وكغيره يمتلك قدرات وهبه إياها الله سبحانه وتعالى لتعينه على العيش والعطاء، هذه القدرات لا يمكن لأحد أن ينكرها عليـه بسبــب أنه على خلاف معه أو يتخذ منــه موقفاً. بمعنى أن أصحاب القدرات ليسوا جميعهم من المنتمين إلى طائفة دون غيرها أو من أصحاب هذا الفكر أو ذاك أو من هؤلاء أو أولئك، والدولة تستفيد من قدرات الجميع، لا يهمها التفاصيل بقدر ما يهمها أن يكون من تختاره لهذا العمل أو المنصب أو الوظيفة مؤهلاً وقادراً على العطاء، حيث مصلحة الدولة تستوجب أن تستفيد من الجميع وتكلف كل مواطن القيام بالعمل الذي تؤهله له قدراته. مـن هنــا فإن الدعوة إلى المحاصصــة تعتبر دعوة ضارة بالوطن وبالمجتمع، حيث المحاصصة «عملية تقسيم الكل إلى مكوناته حسب الاستحقاق الكمي للأطراف المشاركة فيه»، وهذا يعني أن مجموع المناصب يجب أن يقسم على الأطراف حسب نسبة متعارف عليها، ويعني عملياً شغل بعض هذه المناصب بمن هم دون القدرة على شغلها. فإذا كان عدد المناصب على سبيل المثال خمسين ولدينا طرف يستحق بناء على المحاصصة نصفها وهو لا يمتلك سوى عشرين شخصاً من المؤهلين لشغل تلك المناصب؛ فإن هذا يعني أنه سيضطر إلى شغل المناصب الخمسة الأخرى بمن لا يمتلك القدرات التي تعينه على شغل تلك المناصب، فيكون ناتجه دون المطلوب ويؤثر سلباً على الوطن والمجتمع. فكرة المحاصصة يمكن أن توجد نوعاً من الإحساس بالعدالة، لكن يصعب تطبيقها دائماً، فلا يمكن مثلاً الالتزام حرفياً بأن يكون عدد الوزراء في الحكومة متساوياً بين مجموع الأطراف ذات العلاقة، فليس بالضرورة أن يتوفر دائماً العدد المتساوي من الشيعة والسنة، على سبيل المثال، لو كانت المحاصصة تعتمد المعيار الطائفي، وليس دائماً يتوفر العدد المطلوب من معيار آخر لو كانت المحاصصة تعتمد ذلك المعيار. في البحرين لدينا الكثيرون من أصحاب القدرات وممن أعطاهم الله سبحانه وتعالى بسطة في العلم، وهذه نعمة تستوجب الشكر وتعني أن لدى الدولة خيارات وبدائل، فتتجه إلى اختيار الأفضل في مجاله بناء على تقديراتها وما رأته من عمل قام به، وتتجه إلى البديل إن تبين لها عدم دقة تقديراتها. لكنها -الدولة- لا تعطي اعتباراً لمسألة أصل ودين ومذهب ولون من تقدر أنه الأولى لشغل هذا المنصب أو ذاك. بالتأكيد لا يمكن اتخاذ هذه المرحلة التي تمر بها البلاد مقياساً دقيقاً لمثل هذه الأمور، ففي المرحلة غير الطبيعية من الطبيعي ألا تطبق المعايير بالشكل الدقيق، حيث تتدخل العواطف والمواقف وأمور أخرى كثيرة تفرضها طبيعة الأحداث وتطورها، فالبلاد في ظرف استثنائي، والمنطقة أيضاً في ظرف استثنائي، ومن الطبيعي أن تفرض هذه الظروف أموراً استثنائية لكنها ليست الأصل وليست الأساس ولا الديدن. ومع هذا تسعى الدولة إلى تقليل نسبة التأثر بكل تلك الظروف فتحرص على ألا تميل كل الميل كي لا تصير هذه الفئة أو تلك كالمعلقة. إن ظروفاً كالتي مرت وتمر بها البحرين لو عاشتها دول أخرى قريبة أو بعيدة لأنتجت الكثير من السوالب ولحرم الكثيرون من أصحاب القدرات والمواهب من الكثير من الفرص التي تتيح لهم خدمة وطنهم، وهذا يعني أن البحرين تعاملت ولاتزال مع مختلف الأحداث الصعبة بحكمة بالغة، دون أن يعني هذا غياب هامش للخطأ، فمثل هذا الهامش يصعب تجاوزه في مثل هذه الظروف، لكنه يظل في كل الأحوال صغيراً ضيقاً ومحتوياته قابلة للتصحيح فور تغير الأحوال.