يبدو للبعض أن التخبط والفوضى تعم المواقف الدولية إزاء القضايا المطروحة في الساحة السياسية، لاسيما تلك التي يشهدها الشرق الأوسط والوطن العربي على وجه التحديد، في ظل تبعات «ربيع الدم.. العربي»، حتى إن تلك المواقف -كما يرى البعض- لم تعد تميز بين الصديق والعدو، بل حتى إنها لا تثبت على عدو أو صديق محدد. ولكن عند الوقوف ملياً على تلك المواقف المتفرقة والعودة لبضعة أقدام على خارطة الزمن في الخليج العربي، والتفكر في أحوال الأمة العربية الراهنة نجد أن ما نسميه تخبطاً وضبابية في المواقف الدولية إنما هو «احتواء مزدوج».!!نعم.. المواقف الدولية المتفرقة، وخلال قرابة عقد من الزمن أو أكثر بقليل، تفضي إلى وقوع سوريا والعراق تحت وطأة «احتواء مزدوج» نسبياً في دعم أضداد المتنازعين واحداً تلو الآخر، وكذلك البحرين، وإلى حد ما مصر، لتشهد تلك المناطق أوضاعاً ملتهبة على الدوام، وهو ما يؤكد أن الهدف كامن في الرغبة بمنع ظهور قوى جديدة في العالم، لاسيما إن كانت ذات نزعات سيطرة إقليمية أو مد توسعي -سواء كانت تلك القوى من الأنظمة أو من الجماعات الراديكالية المسلحة المستفحلة والآخذة في النمو- ويؤكد هذا ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في احتوائها المزدوج لطرفي النزاع في الحرب العراقية - الإيرانية.ورغم أني لست من مشجعي قيام الثورة السورية من حيث المبدأ، ولكننا أمام أمر واقع لابد من التعاطي معه والوقوف على حيثياته. فعندما يكون رد فعل بشار الأسد على الثورة السورية لا أخلاقياً.. عنيفاً دموياً وحشياً، ويغض المجتمع الدولي الطرف عنه في مهاترات وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع لقرابة خمس سنوات من الانتهاكات وحصاد مئات الآلاف من الأرواح، وليس ثمة تدخل فعلي من المجتمع الدولي، ثم تخرج فيما بعد تركيا والولايات المتحدة الأمريكية باتفاقية تدريب المعارضة السورية لمواجهة «داعش» ونظام بشار الأسد، في وقت كانت قد دعت فيه الأمم المتحدة بشار الأسد لوقف إطلاق النار وبدت في ذاك الوقت بوادر موافقة لتنفيذ تلك الدعوة، فإن هذا كله يفضي إلى أن المجتمع الدولي لا يريد بسوريا إصلاحاً ولا استعادة لأمنها ولا التوصل لحلول فعلية وجذرية للأزمة. وأن جل ما يقوم به المجتمع الدولي تجاه سوريا لا يمكن تصنيفه دعماً أو مطالبة بحق أحدهم بقدر ما هو مخطط فاضح لاستنزاف الموارد بكافة أنواعها لدى جميع الأطراف والقوات المسلحة في الأراضي العربية، واحدة تلو الأخرى. ولعل الفوضى التي تعم سوريا أقل تعقيداً في أطرافها وتفصيلاتها من تلك التي في العراق.- اختلاج النبض..إن سياسة الاحتواء المزدوج تلك تكمن خطورتها في تقلبات اللعبة السياسية -وما يتمخض عنها من أنواع الدعم الأخرى عسكرية واقتصادية وغيرها- بين ليلة وضحاها، وكيف أن اليد التي تصافح اليوم تشهر سكاكينها وأسلحتها في وجهنا بأيد بالوكالة، كما قد يتمخض عن هذا كشف كثير من الأسرار من قبل حليف مفترض لعدو أقل خطورة من أولئك الازدواجيين. ويجعل هذا المسؤولية الأكبر ملقاة على عاتق الخليج العربي في الحفاظ على أمنه واستقراره، وفي سعيه الحثيث لدعم أمن واستقرار المنطقة عموماً، ويتطلب منه الاستفادة من تلك الدروس والوعي لها بعين ثعلب لا يغفل عن أي شاردة وواردة، لاسيما مع إدراكنا أن الخليج هو الهدف الأول من كل تلك النكبات التي يمر بها الوطن العربي. إن جل ما يحتاجه الخليج العربي الكف عن حسن النوايا وثعلبة نظرته للأمور؛ للخروج من أزمات المنطقة بسلام.
Opinion
«ثعلبة الخليج العربي» و«الاحتواء المزدوج»
01 مارس 2015