يبدو أن الحرب الشرسة ضد الوطن العربي باتت أكثر وضوحاً وأكثر شراسة من ذي قبل، فأعداء العرب أصبحوا لا يجاملون ولا يداهنون أي وطن أو شعب أو أرض، فهدفهم محو صورة العرب وطمس تاريخهم في هذه المرحلة تحديداً، حيث كل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والجغرافية والثقافية أصبحت مهيأة للعدو اليوم للقضاء على كل ما هو عربي.ربيع عربي بطعم السياسة يحمل عنوان الضياع بكل امتياز، وضعف مجتمعي يلفه التناحر والتباغض من كل صوب، وتقسيم للأوطان والعواصم العربية، وتقهقر عسكري بفعل عوامل كلنا يعرفها، إضافة لانهيار تام في منظومتنا الثقافية والأخلاقية العربية؛ كل هذه العوامل جعلت الأرضية خصبة لكل أشكال الغزو من طرف جهات لا تحب العرب.لا يستطيع الغرب أن يقتلنا أو يحرق جثثنا أو أن يقوم بتفجير مساجدنا وتدمير آثارنا وتشويه ديننا، فهي لا تليق بمكانته العالمية، ولهذا أوكل هذه المهمة القذرة لأذرعه في المنطقة، وعلى رأسهم داعش، فهي التي أنجزت كل مشاريع الغرب والصهيونية عبر ممارسة أبشع أنواع العبثية والعدمية ضد الإنسانية، متدثرة مع الأسف بدثار الدين.ما أنتجته داعش من فوضى لا نظير لها في التاريخ، جعل العرب بل وكل العالم ينشغلون بها وبمحاكاتها وعنجهيتها وبشاعة سلوكياتها ووحشيتها، مما سهل المهمة على الغرب في وقت انشغالنا بهذه الملهاة «داعش»، ليقوم بسرقة أوطاننا وثرواتنا وخيراتنا، وتحت عناوين خداعة وبراقة؛ بات يقترح علينا تقسيم وطننا العربي لتتحقق نبوءته بالشرق الأوسط الكبير.إذن داعش هي من يقوم بإشغالنا عن حراسة التاريخ والآثار والدين والإنسان والأوطان، ليقوم الشيطان الرجيم «الغرب» بدخول حياتنا وخصوصياتنا من الباب الخلفي، منتهزاً ضعف واقعنا العربي المعاصر، ليعيث فساداً في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.الغرب وداعش وجهان لعملة واحدة، وهما يملكان ذات العقيدة في قضايا التوسع والتمدد والأنانية وإلغاء كل ما هو إنساني، ومن بعد ذلك الإبقاء على المال والثروات والجنس والعنف والقوة، وهي ذاتها الأدوات الخاصة بصناعة الأفلام الهوليودية في أمريكا أو في أوروبا.لا مجال «للفذلكة» وتحليل المواقف وتبرير الأفعال؛ فما يحدث ضد العالم العربي والإسلامي على يد الغرب و«داعش» يعتبر مؤامرة كونية تهدف لطمس الحقائق وتقسيم الأوطان وإشغال الإنسان، فالمفخخات والمتفجرات والاغتيالات الداعشية تقابلها سلوكيات تتسم بالشرعية والإنسانية و«الحنية» من جهة الغرب، بينما لا تخلو المسألة كل المسألة من تعدد الأدوار ووحدة الهدف، فكل من «داعش المجرمة» و«الغرب المجرم» يعتبران في نظرنا حركة صهيونية واحدة لتحقيق الهدف.من يبرر اليوم لداعش جرائمها فهو لا يقل عنها إجراماً، ومن يعطي الغرب مبرراته لسرقتنا وتضييع حقوقنا فهو لا يقل في «نذالته» عنه على الإطلاق.نحن اليوم في أمس الحاجة لتجسيد الوحدة العربية على أرض الواقع، ونبذ الخلافات وترك المهاترات، ووضع نصب أعيننا فكرة مفادها «عدونا واحد»، حتى ولو كان الأول يحاربنا باسم الله والآخر يحاربنا باسم الحضارة والمدنية، فالإجرام واحد لا يبرر، وكلنا ضحاياه.
Opinion
داعش والغرب وجهان لعملة واحدة
02 مارس 2015