في أحد المقاطع المميزة والساخرة من مسرحية «العيال كبرت» وقف الراحل سعيد صالح أمام والده «حسن مصطفى» بعد أن ارتكب «مصيبة» والوالد يستجوبه «كنت فين؟ فيقول له كنت في المدرسة، فيسأله أي مدرسة، النهاردة إجازة والمدرسة مقفولة! فيجيبه أنا فتحتها، وشفتها فاضية فضربت الجرس ووقفت في الطابور ودخلت الفصل ودرستني وما فهمتش حاجة، فيقول له الأب كل ذا لوحدك؟ فيقول له لا، أنا كنت معايا، فيكرر سؤاله مين كان معاك؟ فيجيب أنا كان معايا»، هذا المشهد العالق في ذاكرة من شاهد هذه المسرحية لسخريته، أعادته إيران بمشهد واقعي في الأول من مارس الجاري في اليمن، لكن بطريقة سمجة.فالاتفاقية التي وقعتها مع الحوثيين والقاضية بتسيير 14 رحلة إيرانية أسبوعياً ومثلها يمنية، لا تختلف كثيراً عن فعل «سعيد صالح» في المدرسة، فالحوثيون هم الإيرانيون، وإن حملوا جنسية اليمن وتكلموا لغتها، كما أنهم لا يملكون أي صفة رسمية أو شرعية في اليمن فلا هم حكومة ولا هم برلمان، غير أنهم ذراع إيران وإحدى أدواتها هناك، وأن تعقد إيران اتفاقية معهم فتلك مسرحية، أما لماذا مثلتها وما وراء هذه الرحلات فهي جملة أمور، ما أعلنه الحوثيون أن هذه الرحلات هدفها كسر العزلة الدولية التي فرضت على اليمن وكسر «الوصاية السعودية» التي منعت إقامة علاقات صداقة مع الإيرانيين، وهذا مما يضحك فإيران نفسها تعاني عزلة وحصاراً فكيف لها كسر عزلة غيرها!.الواقع أن هذه الرحلات هي جسر جوي عسكري يحمل أسلحة، فمن غير المعقول أن تحتاج إيران إلى 28 رحلة أسبوعياً بينها وبين اليمن لتكسر العزلة، وبهذا الجسر تنتقل إيران إلى اللعب على المكشوف في اليمن، ويبدو أنها قررت أن يكون الوضع في اليمن شبيهاً بالوضع السوري والعراقي فهي تتجه نحو مواجهة طويلة الأمد كبيرة الخسائر بالأرواح، وبالإضافة إلى الأسلحة ستنقل الطائرات المستشارين الإيرانيين لأنها تعلم أن الحوثيين لا يقدرون على إدارة بقالة تجارية بمفردهم وليس بلد اليمن، كما أن الحديث عن 1500 سائح إيراني يزورون اليمن أسبوعياً غير معقول إلا إذا جاؤوها ليقاتلوا فيها ثم ليستوطنوها ويغيروا ديموغرافيتها، كما تسرب أيضاً أن الشحنة الأولى حملت مستشفيات ميدانية وهذا يبين طبيعة المرحلة القادمة.إيران مرهقة اقتصادياً ومحاصرة ولها التزاماتها في العراق وسوريا وهذه الحركة قد لا تنفعها إذا وجدت مقاومة واتفاقاً دولياً على ألا تكون اليمن كسوريا والعراق، لأن الحوثيين لا يسيطرون اليوم على كل اليمن ومناطق سيطرتهم خالية من الموارد كالنفط والغاز، لكنهم صدروا إعلامياً على أنهم يسيطرون على كل اليمن والواقع أن ما بحوزتهم هو ثلث اليمن، لكن مع ذلك ستشهد الأيام القادمة شحنات من المعممين والأسلحة إلى اليمن في محاولة لإغراقه أكثر.