يقع على «المفتشين» في جميع وزارات الدولة الصحة والبلدية والتجارة والكهرباء وغيرها أعباء كبيرة في إقرار قوانين الدولة وفرضها، نظراً لقلة عددهم وحجم المهام واتساعها المنوطة بهم، أما التحدي الأكبر فهو تفشي المخالفات والتجاوزات القانونية بشكل يفوق قدرتهم على رصدها وقدرتهم على منعها، بل حتى ما يمنع منها يعود من جديد بعد يوم أو يومين، والمؤشر هو الأخطر الذي تواجهه البحرين.الحكومة بأسرها مجتمعة لن تكون قادرة على إنفاذ القانون وإعادة هيبته، لا على المفتشين فقط، بل الدولة بجميع سلطاتها ومؤسساتها هي التي تواجه هذا التحدي الآن وهو تحدي إقرار القانون وتثبيته واحترامه، ولا بد أن نقر بأننا تخلفنا وتأخرنا كثيراً في مواجهة هذا التحدي.انظر إلى ردود الفعل إلى قانون المرور، كنا نناقش حجم العقوبة لا نناقش الامتناع عن ارتكاب المخالفة، إلى هذه الدرجة استسلمنا لارتكاب المخالفات حتى أصبح للإقرار بها مدافعون ومبررون ومنظرون.ليس تنفيذ قانون المرور أو قانون السجلات التجارية ما يحتاج إلى مفتشين لضبط مخالفاته فحسب بعد أن وصلنا إلى هذه الحالة، الدولة بحاجة أن تنتفض بجميع أجهزتها وتضع خطة متكاملة بين أجهزتها وسلطاتها الضبطية والرقابية وتضع كل إمكانيتها تحت قيادة مركزية واحدة تقود حملة منظمة لإنفاذ القانون الصحي والتجاري والبلدي والعقاري ووو تسبقها حملة إعلامية شبيهة بما قامت به وزارة الداخلية تظهر جدية الدولة وعزمها على شن حرب مهمتها إعادة الروح للقوانين.. كل القوانين، بضبط المخالفات بجميع أنواعها وضمان عدم تكرارها بتشديد العقوبة من خلال إشراك السلطة القضائية في هذه الخطة الوطنية، ووضع جدول زمني لا يتجاوز السنة لتصحيح هذا الاعوجاج الخطير.التجاوزات أصبحت هي القاعدة والالتزام بالقانون هو الاستثناء، تجاوزات قوانين التجارة والصحة والبلدية والكهرباء والمرور سائدة ومنتشرة واعتدنا عليها، أصبح للتجاوزات سوق مواز بتجاره بمقاوليه بمخلصيه بعماله بمستهلكيه وحتى بمعلميه وبأطبائه وبموظفيه والأخطر «بمفتشيه وبضباطه»!!ولهذه الأسباب علينا أن نتعامل مع هذا الخطر وهذا التحدي بما يتناسب مع سعة انتشاره وعمقه وتغلغله وبما يتناسب مع رد الفعل العنيف المتوقع، فلهذا السوق أصحاب مصالح متنفذون وبما يتناسب مع كلفة القضاء عليه مادياً وسياسياً، فأنت بحاجة لإسناد هذه «الحرب» إلى قيادات عليا تتصدى لردات الفعل المقاوم، وبحاجة إلى التفكير الإبداعي وخارج الأفكار التقليدية في مواجهة حجم التفشي الخطير وعدم ترك الأمور لأن تكون كل وزارة جزيرة مستقلة معزولة بذاتها، إما تعاني من شح الموارد ومن قلة العناصر البشرية، أو أن تبدع وزارات أخرى إنما وحدها بأفكار خلاقة في تتبع المخالفات ورصدها، في حين تظل باقي الوزارات على طرقها وأساليبها الرقابية التقليدية البائسة، العملية تحتاج إلى قيام انتفاضة شاملة تقودها الحكومة كوحدة واحدة لا كوزارات متفرقة، انتفاضة تتحرك معها بقية السلطات والمؤسسات الأهلية وإشراك المجتمع معها لا الاعتماد على «المفتشين» فقط.الناس بحاجة أن ترى حراكاً حكومياً غير تقليدي لا يعتمد على التوعية فقط بل يرتكز على تنفيذ وتفعيل بنود العقوبات. النجاح الذي رافق إقرار قانون المرور يشجعنا على توسيع نطاقه وإشراك بقية الوزارات في حملة لتطبيق قوانينها هي الأخرى.فالقانون وإن كان لضوابط متنوعة ومتعدد الأنشطة صحياً كان أو بيئياً أو مرورياً أو تجارياً إلا أنه في النهاية هو بيت القصيد وهو عماد قيام «الدولة» ومصدره واحد.