حتى بعد مرور أربع سنوات على أعمال الفوضى لايزال البعض من المواطنين يقف على الحياد، لا إلى الدولة ولا إلى «المعارضة»، حاشراً نفسه في وضع يحتاج إلى تفسير، لأنه من غير المعقول ألا يكون هذا البعض لايزال يعاني من صعوبة اتخاذ قرار مهم كهذا، ومن غير المعقول أن يظل على الحياد إلى الأبد.جل هذه الفئة من المثقفين، لم يقفوا مع الدولة كي لا يخسروا «المعارضة» ولم يقفوا مع «المعارضة» كي لا يخسروا الدولة، لكنهم في واقع الأمر خسروا الطرفين، حيث الدولة لا يمكن أن تقبل منهم أن يظلوا صامتين في الوقت الذي يرون فيه أخطاء «المعارضة» بأعينهم وبإمكانهم أن يساهموا في منعها، وحيث «المعارضة» لا تقبل منهم مثل هذا الموقف «الرخو» أيضاً لأنه لا يفيدها.في مثل الأحوال التي مرت بها البحرين، ولاتزال، لا يقبل من هذه الفئة تحديداً أن تقف على الحياد، ولا يمكن لا للحكومة ولا لـ «المعارضة» أن تقبل من لا يحسب إلا لمصلحته الخاصة فيؤثر الانتظار كي يلتحق بالمنتصر. هذا خطأ استراتيجي وقع فيه كثير من المحسوبين على فئة المثقفين، سكتوا وكأن الأمر لا يعنيهم واكتفوا بتوجيه النقد لهذا الطرف أو ذاك ولهذه الفئة أو تلك في مجالسهم الخاصة وبصوت منخفض للغاية وهم يتلفتون. ربما من السهل تفهم عدم قدرة البعض على اتخاذ موقف محدد وواضح لو كان من خارج هذه الفئة، فمثل هذا البعض يظل غير مؤثر أياً كان موقفه، لكن لا يمكن أبداً استيعاب وقوف المنتمين لفئة المثقفين على الحياد والاكتفاء بمتابعة ما يجري وكأنهم يشاهدون مباراة في تنس الطاولة، فلا يرى الوطن منهم سوى عيونهم التي تتنقل هنا وهناك تتابع الكرة وضربات المضارب. كان المفترض من هؤلاء أن يكونوا أول من ينتبه إلى خطورة الوضع، فمستواهم الثقافي وما يمتلكونه من علم ومعرفة وبعد نظر وحس يؤهلهم لفهم ما يجري قبل غيرهم. هذا يعني أنهم عرفوا الخطأ وسكتوا عنه فأضروا بالوطن، فالسكوت عن هذا الأمر وفي مثل هذه الظروف يدخل في باب الإساءة للوطن ولعله يصنف في باب الخيانة. هذا ملف مهم ينبغي نبشه الآن وإلزام المنتمين إلى هذه الفئة كي يختاروا، فيكونوا مع هذا الطرف أو ذاك وبوضوح، فلم يعد الوضع يحتمل هذا النوع من المواقف، ولم يعد ممكناً تحمل مثقفين غامضين مشكوك في إخلاصهم للوطن. ليس مطلوباً من هؤلاء رفع العصا في وجه المخربين، يكفي أن يكون لهم دور في توعيتهم وتنبيههم إلى حجم الأخطاء التي يرتكبونها. وليس مطلوباً منهم أن يكتبوا القصائد التي تمتدح عمل الحكومة وإجراءاتها، يكفي أن يبينوا أن قلبهم على الوطن وأنهم ضد تلك الأفكار التي تشاغب البعض عديم الفهم في العمل السياسي. ليس مطلوباً منهم أكثر من أن يكونوا واضحين مع أنفسهم ومع الآخرين حيث استمرارهم في موقفهم الفقير هذا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إساءة كبيرة للوطن وللشعب. ربما كان مستوعباً عدم قدرة البعض على اتخاذ قرار، وتحديد موقفه في بداية الأحداث، على اعتبار أن الأمور حدثت بشكل مفاجئ، لكن أن يستمر هذا الأمر حتى بعد مرور أربع سنوات على الأحداث مسألة يصعب فهمها وينبغي وضع حد لها، فإن كان هؤلاء مع أولئك فليعلنوها صريحة، على الأقل كي يستفيدوا منهم ومن قدراتهم وخبراتهم، وإن كان هؤلاء مع الدولة فليعلنوها صريحة ويعبروا عن رأيهم بصراحة، على الأقل ليرتاحوا ولا يعيشوا التناقض الذي يتسبب لهم بالألم