في الخليج العربي كنا على بعد خطوات من «الصفر النووي» عندما شاركت في حلقة دراسية عقدها مركز الخليج للأبحاث في ديسمبر 2004، وحضرها عدد كبير من الخبراء، وقد طرحت خلالها، ولأول مرة، فكرة مشروع إعلان الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار، لكن الهدف النبيل للدراسات المفصلة التي أصدرها المركز للمشروع لم تفلح، فتلاشى «الصفر النووي» خلف الأبراج الخرسانية لوحدات تبريد المفاعلات النووية في الخليج. وخلال 11 عاماً التزمت دول الخليج بالصفر النووي، فيما استطاعت إيران أن تجبر العالم على اتفاق تقشعر له الأبدان، ثم زاد الطين بلة أن الصهيوني نتنياهو قال في الكونغرس الأمريكي بعض مما في الخاطر الخليجي؛ فالاتفاق يمهد لطهران امتلاك قنبلة ذرية ولا يعيق إنتاج قدرة عسكرية نووية، ثم توسع نتنياهو في لطمنا بحقيقة أن إيران تهيمن على أربع عواصم عربية؛ بل إنها تتحرك بدرجة لا تجعلها بحاجة للقنبلة النووية، ثم ختم خطابه بأن المفاوضات النووية الحالية تمهد لـ «اتفاق نووي سيء».لا شك أن دول الخليج لا تتفق مع الصهيوني في ضرورة منع إيران «بكل الوسائل»، لكن ذلك يتركنا أمام وضع صعب، فصحيح أن نتنياهو ذهب لينتزع حقه وهو مدعم بكتيبة من الجمهوريين، لكن الصحيح أيضاً أننا حصلنا على ما يوازي زخم ذلك، وهو قدوم جون كيري بهيبته للخليج في 5 مارس 2015 لتطميننا، ومع ذلك لم نحقق ما حقق الصهيوني إلا همسات خليجية رسمية خجولة، دفعت مراقباً متواضعاً بالتجاسر على صناع القرار الخليجي ليسبقهم بالإجابة على سؤال قبل أن يطرحوه عن حيز المناورة للخليجيين مع اتفاق نووي إيراني سيء، وماذا يمكننا أن نفعل؟- من المرجح أن توافق إدارة أوباما على اتفاق لفترة محدودة، لفترة سنة واحدة، مما يعطي الخليجيين فرصة أخيرة، ففي يد طهران أربع ورقات رابحة تحتل بها كرسي اتخاذ القرار بأربع عواصم عربية، وإذا استمر تعاطي الخليجيين للأزمة بنفس سيناريو العشر سنوات الماضية فلن يكون هناك شيء قادر على إجبارها على التراجع.- الإعلان دون تردد أن غريمنا هو إدارة أوباما المراوغة، وعلينا البحث في جوهر اهتمام البيت الأبيض بإيران، فهل يحاول رموزه دخول التاريخ الأمريكي على حساب مصالحنا! فالتقرب لإيران لا يتماهى مع المزاج الأمريكي العام، وهناك فجوة كبيرة بين وجهات النظر النخبوية والعامة، وهناك فجوة السياسة بين المجموعتين الجمهورية والديمقراطية، وعلينا الولوج إلى قلب أمريكا عبر القيم الديمقراطية بفتح قنوات مباشرة مع الكونغرس والعمل على تركيز العلاقات مع أمريكا من منظور حزبي أو لوبي. فلا بد أن للوبي السلاح دور يلعبه لصالحنا فيما لو تجاسرنا على مواجهة الإدارة الأمريكية بأزمات متعددة الأوجه من انخفاض أسعار النفط إلى رفض الانصياع للإملاءات في مجال مكافحة الإرهاب.- اتخاذ الإجراءات اللازمة لنسف الاتفاق عبر إبراز حجج مقنعة لشركاء واشنطن في مجموعة (5+1) تظهر تمسكنا بضـرورة أن تبقي طهران خارج النادي النووي بناء على نهجها الدائم فـــي خرق الاتفاقات، وإظهار جدوى عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على إيران، والتكاليف والمخاطر في الاتفاق الراهن.- خلق جبهة خليجية موحدة والمواجهة مع طهران باستخدام ورقة التجارة الثنائية، والتوسع في معاقبة أي بلد ثالث له علاقات تجارية مع طهران، والتهديد بوضع كافة الخيارات على الطاولة كدخول سباق التسلح بالمظلة النووية الأمريكية أو الباكستانية، مع التوسع في البرامج النووية والاحتماء بمفاعل نووي سلمي.لقد عززت دراسات حديثة أجراها مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية الفكرة بأن الجمهور الإسرائيلي قلق بشأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في موضوع إيران، فذهب رئيس الوزراء الصهيوني لواشنطن وحصل على ضمانات بالأمن، وقد أظهرت شعوب الخليج نفس القلق عبر أرقى مراكزها البحثية، ليس قبل أسابيع كالصهاينة؛ بل منذ ولادة الفكر النووي الإيراني، وكان رد واشنطن أن دفعتنا بعيداً عن تحقيق مشروع «الصفر النووي» في الخليج، بل وتحاول أن تجبرنا على ابتلاع اتفاق نووي إيراني سيء.
Opinion
حيز مناورة الخليجيين مع اتفاق نووي إيراني سيئ
11 مارس 2015