لعل من أهم أسباب الغلاء أو ما يسمى بـ«ارتفاع الأسعار» تأدباً في البحرين هو عدم وجود رقابة حقيقية على الأسعار، فلو كانت هنالك مراقبة صارمة على التجار، الصغار منهم والكبار، لما تجرأ صاحب البقالة أن يرفع سعر «كيلو الموز» أو «جبن قلاصات» إلى ثلاثة أضعاف سعره عن السوق المحلي.ليس من واجب المواطن أن يأخذ مقام مفتش وزارة الصناعة والتجارة حتى يقوم بزيارة البرادات والمطاعم والمتاجر لمقارنة الأسعار، ومن ثم اكتشاف التاجر الذي يتلاعب بها داخل السوق، ليقوم بكتابة تقرير من أجل أن يرفعه إلى حماية المستهلك، فهذا عمل مفتش الوزارة وليس المواطن.ربما في قليل من الأحيان يمكن للمواطن أو المقيم رفع شكوى ضد أحد التجار الذين يقومون بزيادة الأسعار إلى الجهات المعنية، لكن أن تطالبنا حماية المستهلك بأن يتحول المواطن إلى «مفتش» ليقدم ملاحظاته أو شكواه إليها، في الوقت الذي لا نشاهد مفتشهم يقوم بعمله في وضع حد لمهزلة ارتفاع الأسعار، فهذا أمر غير مقبول.جولة سريعة في السوق يبين لنا مدى تفاوت الأسعار بين تاجر وآخر، وبين مطعم ومطعم، وبين برادة صغيرة وأخرى كبيرة، ففوضى الأسعار لا تخضع لمقاييس ثابتة، وليس هنالك ثمة بروتوكولات تجارية واضحة يمكن أن تضبط إيقاع الأسعار في سوق البحرين.يجب على وزارة الصناعة والتجارة أن تقر بهذه الفوضى، كذلك بعض الجهات التي لها دور في هذا الشأن كغرفة تجارة وصناعة البحرين، فالناس بدأت تتململ من الأداء الرقابي لهذه الجهات فيما يخص ارتفاع الأسعار، والغريب في هذا الأمر أن زيادة الأسعار في أغلب الأحيان تكون غير مبررة، في الوقت الذي لم نشاهد منذ زمن بعيد زيادة في رواتب المواطنين!يقول أحد الباعة في إحدى «السوبر ماركتات» الكبيرة في البحرين حين نقوم بطرح بعض العروض المميزة يسارع التجار من الآسيويين في شرائها كلها، ومن ثم يقومون ببيعها متفرقة في براداتهم الصغيرة في الأحياء بأضعاف مضاعفة، فعلى سبيل المثال نجدهم يشترون «كأس الجبن» بنصف دينار في فترات العرض، ليقوموا ببيعه بدينار واحد في براداتهم المنتشرة كالهشيم بين المدن والقرى!هذا الأمر لا ينطبق على «كاسات الجبن» فقط يا سادة، بل يتعدى ليشمل كل ما يخطر «على بالكم» من سلع استهلاكية وغير استهلاكية، بل هذا مثال صارخ على عدم وجود رقابة حقيقية على الأسعار، فأسواقنا أصبحت «حارة كل من أيدو إلو»، ومن يستطع من التجار أن يرفع عقيرته مع بضاعته بكل الأثمان الباهظة فليفعل، ما دام هنالك «جهة معنية» نائمة في العسل المغشوش الذي يباع في أسواقنا «على أساس أنه عسل نحل» لذيذ وحقيقي، وهو ليس كذلك.