لن يعدم البعض سبباً لممارسة أعمال الشغب والفوضى التي يبدو أنه يراد لها أن تكون يومية، الأمر ليس متعلقاً بأمين عام الوفاق ولا بغيره؛ فالهدف هو العمل على استمرار ما يجري بأي طريقة وبأي ثمن، ولهذا فإن الحديث عن العودة إلى طاولة الحوار في هذه الفترة يبدو وكأنه نكتة بايخة.يتم احتجاز شخص لسبب أو لآخر فيخرج على الفور «أبطال الميادين» إلى الشوارع ليحتجزوها ويشعلوا فيها النيران ويعطلوا مصالح الناس ويعرضونهم للخطر، تصدر المحكمة حكماً على من ثبت لديها بأنه متورط في أعمال مخالفة للقانون فيخرج أولئك على الفور ليقوموا بالفعل نفسه، يحدث سوء فهم بين بعض زائري السجن للاطمئنان على مسجونين يخصونهم والمعنيين بالأمن فتنتشر الأخبار غير الدقيقة لتصل إلى مسامع ذلك البعض الذي يجدها سبباً طيباً لاختطاف الشوارع وممارسة أعمال الشغب ونشر الفوضى التي تزداد يومي الجمعة والسبت، كونهما يوما إجازة.مسألة تحتاج إلى تفسير كي يتمكن المرء من استيعاب ما يجري، خاصة وأن المنطق يقود إلى القول إن الحكومة لن تقبل بمثل هذه الممارسات وستواجهها بما يوفره لها القانون من وسائل وأدوات، وهو ما يعني أن المواجهات بين الطرفين ستستمر وسيبقى الوضع على ما هو عليه، وهذا بطبيعة الحال يدفع إلى الاعتقاد بأن ذلك البعض موعود بأمر ما، من جهة ما، وأنه في انتظار تحقيق ذلك الوعد مطلوب منه أن يحرص على عدم التوقف عن ما يمارسه والاستفادة من كل سبب وكل فرصة لإبقاء الساحة مشتعلة. هذا استنتاج يقبل الصواب والخطأ ولكنه -بناء على المعطيات وتطورات الأحداث- يبدو أنه إلى الصواب أقرب، فلا يوجد مبرر غير هذا يجعل ذلك البعض يصر على الاستمرار في ممارساته، ولا يوجد مبرر غير هذا يدفع الفضائيات المساندة، وعلى الخصوص فضائية «العالم» الإيرانية، لبث كل خبر يصلها من ذلك البعض من دون أن تكلف نفسها التحقق من صحته فتعتبره صحيحاً ودقيقاً ويستحق أن يبث ويساند.بناء على هذا الاستنتاج يمكن القول إن انتهاء مبرر محاكمة أمين عام الوفاق لن يؤدي إلى توقف أعمال الشغب والفوضى، وانتهاء مبرر احتجاز هذا أو ذاك لن يؤدي إلى التوقف عن ذلك، بل لن يؤدي إلى ذلك حتى انتهاء كل المبررات، حيث الواقع يقول إن المطلوب هو توفير المبررات لتلك الممارسات حتى لو لم تكن مقنعة أو مثيرة للسخرية، فالمهم هو الادعاء بأن البلاد غير مستقرة وأن فيها فئة تعاني من الظلم، والأهم هو أن يستفاد من كل هذا في الخارج أملاً في استعطاف الآخرين وكسب قرارات تشعر «المعارضة» أنها حققت انتصارات ولو على الورق. ما يفترض أن تدركه «المعارضة» هو أن كل ما قد تكسبه في الخارج لن يؤدي إلى تحقيق مكاسب للمواطنين الذين تقول إنها خرجت للدفاع عن حقوقهم، ذلك أن كل تلك المكاسب -لو اعتبرنا أن أموراً مثل التعاطف تعد مكسباً- لن تؤدي إلى حل المشكلة، فالمشكلة لا تحل بهذه الطرق ولا بتلك التي لا ينتج عنها سوى تضرر المواطنين، مشكلتنا داخلية ولن يتمكن أحد في الخارج من فعل مفيد لها، ولن تتمكن أعمال العنف والشغب والفوضى التي لا يراد لها التوقف من التعجيل بحلها، فهذه وتلك كلها تزيد من تعقيدها وتمنع من التوصل إلى حل ينتج عنه عودة الحياة إلى طبيعتها.المخارج الطبيعية هي إفساح المجال لجميع المواطنين كي يدلوا بدلائهم ويقترحوا الحلول عبر الندوات الشعبية، وعودة الحوار مع الاستعداد لتقديم التنازلات مهما كانت مؤلمة، وقبلها التوقف عن تلك الممارسات التي يتضرر منها المواطنون وليس الحكومة.