يبدو من الضروري أن تكون لدى العرب قاعدة علمية مجتمعية لضبط إيقاع الكميات الهائلة من المعلومات التي تستقبلها مجتمعاتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووضع معايير منهجية وعلمية لاستقبال الكميات الهائلة من الأخبار والأفكار والمعلومات التي تردنا من دون ذكر مصادرها الحقيقية كل دقيقة، فحجم تدفق سيل المعلومات وسرعة انتشارها، ربما حطم جهاز المناعة العقلية لدى الفرد العربي، خصوصاً حين ندرك جيداً أننا مجتمعات تعيش منذ دخولنا عصر الظلمات الحديث، دون امتلاكنا «فلاتر» تقينا زبد الأفكار وشوائبها.إن الإنسان العربي وبسبب عشقه للكسل، لم يعد يقرأ كما كان أجداده يقرؤون ويبحثون في حقبة ضيقة من التاريخ القديم، بل اقتصر جهده في العلم والمعرفة على مجموعة من الرسائل النصية غير «المفلترة» التي تأتيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي كل لحظة، حتى من دون ذكر مصدر تلك المعلومات، ولهذا فإنه لا يكلف نفسه عناء البحث في استكشاف حقيقة المعلومة، فضلاً عن إمكانية الإنسان العربي رفضها أو نقدها أو حتى مناقشتها، مما يخلق لنا هذا السلوك «الجاهلي»، مع مرور الوقت، أفراداً لا تؤمن بالقراءة أو بالطرح العلمي على الإطلاق، لأنهم لا يحبون أن يصغوا إلى الحقيقة التي من المؤكد أنها ستدمر كل أفكارهم المعلبة!قبل سطوع نجم مواقع التواصل الاجتماعي كان الإنسان العربي أكثر وعياً وأكثر واقعية وتمسكاً بالمنهج العلمي، ولو كان بأدنى درجاته، أما اليوم فإن أزمة «طبق لصق» الفكرية الركيكة والمشوهة باتت سمة من سمات المجتمعات العربية غير القارئة على الإطلاق.حين التقيت الأخ العزيز «أبو هيثم» في معرض الكتاب الأخير، وهو من المختصين في معرفة دهاليز الكتب والمكتبات، كان يشكو لي ضعف إقبال الشباب البحريني على قراءة الكتب العلمية والفكرية والثقافية المعتبرة، وتوجهه لقراءة واقتناء الروايات التافهة والكتب السطحية التي تسطح وعيه أكثر مما هو عليه، بفعل طبيعة المعلومات التي يستقبلها عبر شبكة التواصل الاجتماعي، والتي أفسدت وأتلفت فيه ملكة الإبداع والتفكير والنقد.في الوقت الذي كنا نستبشر خيراً بسرعة انتشار المعلومة عبر تلكم المواقع الاجتماعية والإلكترونية، نتفاجأ اليوم بنوعية المعلومة وركاكتها وربما كذبها أيضاً، سواء كانت تلك المعلومات، معلومات علمية أو فكرية أو ثقافية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية وغيرها، فالهراء والعواء الذي ملأ الأفاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يدع مجالاً للنقد والتشكيك والتفكيك للكثير من الأفكار المتدفقة دون توقف.إننا نعتبر ما يستقبله الإنسان العربي الذي يفقد القدرة على تمييز الأفكار وغربلتها بالطرق المنهجية والعلمية من معلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو أمر خطير للغاية، ربما يكلفنا ثمناً باهظاً، عبر تعطيل العقل وتغييب الحقيقة خلف ستار الوهم وتجارة الأفكار غير العلمية.أكاذيب وفبركات وتمويهات وكذب، هذا أكثر ما يستقبله المواطن العربي كل لحظة من تلكم المواقع التي أقل ما يمكن وصفها «بالمواقع الشعبية»، ولو كان علامة الاجتماع العربي الراحل الدكتور علي الوردي حاضراً في يومنا هذا، لأدرج كل هذا الألم في كتابه «مهزلة العقل البشري» أو العربي.