حتى في المجتمعات التي شهدت خلال حقبها التاريخية حركات سياسية ذات أهداف ومضامين سامية، لم تنهج الجماعات أو التكتلات أو الأحزاب التي دعت لتحقيق هذه الأهداف والتي جاهدت من أجل التغيير، لم تنهج أسلوب العنف، ولا سياسة التخريب والإرهاب، ولم يكن خطابها يتضمن نبرة حقد وكراهية.من لديه قضية عادلة، هو من لا يحتاج إلى أن يلجأ إلى العنف، لا يحتاج لتحشيد الناس عبر شحنهم بعبارات البغض والكراهية، أو يسعى ليخلق لهم عالماً افتراضياً من «المظلومية» و«الإحساس بالدونية» ليعيشوا فيه.من يحاول فرض ما يريده بالقوة، ومن يحاول أن يصل لهدفه حتى إن كان الطريق بالتضحية بالبشر الذين يدعي أنه يعمل من أجلهم، ومن يرفض أي شيء يأتي من الأطراف الأخرى التي يصنفها كأضداد بل حتى «أعداء»، هؤلاء هم من يتخذون أساليب «حرق المجتمعات» و«ترهيب الناس» و«تجاوز القوانين» منهجية عمل لهم.من يمتلك مشروعاً وطنياً حقيقياً هو القادر بسهولة على تقديمه بالفعل كـ«بوتقة» تنصهر فيها كافة الأطياف وتندمج فيها كل الكيانات، هو من يجد كل طيف أو منتم لمذهب أو لديانة ومن عرقه من البلد أو مكتسب لجنسيتها وحتى المقيم فيها، هو من يجد كل هؤلاء لهم موقعاً للإعراب في مشروعه وحراكه وعمله، لكن من عمله لا يمكنه أن يضم سوى من يتحرك وفق أوامره، ومن لا يتمثل إلا بمذهبه، ولا يعمل إلا بمنهجيته، ولا يؤمن إلا بأفكاره، ولا يعترف بالآخرين بل يمارس ضدهم الإقصاء والتسقيط، هؤلاء هم «آفة» أي مجتمع، هم «الإسفين» الذي يدق شيئاً فشيئاً في صلب الدول ليشرخها ويحولها لقطع وشتات.في دول عديدة، مثل هؤلاء حينما تفشل مخططاتهم، حينما ينفضح أمرهم، وحينها يتم استيعاب حقيقة مشروعهم، وأنه ليس شاملاً الجميع، معنياً بكل الأطياف، وليس ذا نوايا وطنية حقيقية، هؤلاء في تلك المجتمعات لا تقوم لهم قائمة بعدها، لأن الأنظمة ومعها النسيج المجتمعي «الوطني» المكون من عديد من الكيانات يدرك خطرهم، وأن مجرد استمرار «فكرهم» يعني المجازفة بخلق «أنوية» هنا وهناك لتفريعات صغيرة إما تعمل في الخفاء وتخطط وتتمترس وتتجهز لضربات موقتة بناء على ظروف معينة، أو أنها تعمل جهراً بأسلوب مجموعات متفرقة بآلية «قطاع الطرق» أو «حرب العصابات».لكن إن تركت الأمور بدون حسم وصرامة، وإن منحت هذه الجماعات مساحة للإحساس بأنها –بعد انكشاف مخططاتها وفشل مساعيها- إن منحت مساحة لالتقاط أنفاسها لتقنع نفسها بعدها بأنها «آمنة» على نفسها مما فعلته، وأنها بعيدة عن حكم القانون وتطبيقه مما اقترفته، فإن هذا ما يبرر الموجات المتتابعة (بغض النظر عن رتمها أو قوتها) لإعادة «إحياء الإرهاب»، لمعاودة استخدام أسلوب الفوضى والترهيب وترويع الناس.ما حصل مؤخراً وخاصة خلال الأيام الماضية من محاولات «افتعال الفوضى»، كلها أمور تؤكد بأن هناك من يحاول «لملمة» صفوفه، من يحاول «التخطيط» للقيام بسلسلة من الأحداث المقلقة لأمن البلد، وأن هناك من «مهما لون خطابه مؤخراً» إلا أنه في خطاب «خفي» آخر، مازال يهدف إلى استنهاض طاقات أتباعه ومريديه ليمارسوا «العنف» من جديد.حينما يكون التعامل مع وضع ما بأسلوب «الحسم» الذي لا يترك أبواباً مفتوحة وراءه، حينها يمكن القول بأن «الفكر المتطرف»، «الإرهاب»، «التحشيد» وغيرها من «محركات» قد تم نسف «أعشاشها» و«حضاناتها» وجثها من جذورها.
Opinion
إعادة إحياء «الإرهاب»!
14 مارس 2015