لن تلبث الدعوة إلى حوار خليجي-إيراني حتى تقرع طبولها كخيار لا مناص منه، وتتعالى أصوات هنا وهناك بخطاب في غير وجهته السابقة، ونبرة أكثر ليونة وتقبلاً للحوار مع إيران. ولذلك فإن الحديث في موضوع كهذا غير سابق لأوانه، وليس قفزاً على أحداث الواقع القريب المرتقب. إننا عند الحديث عن حوار خليجي-إيراني علينا أن ندرس ملياً كيف سيتداعى ذلك الحوار على الوضع الأمني والسياسي لدول الخليج العربية؛ ماذا لو توصل الخليج لاتفاق مع إيران من خلال تقريب وجهات النظر والتأكيد على القواسم المشتركة واللمحات المشرقة من تاريخ العلاقات البينية، في تغييب لكل ما يعكر صفو تحسين العلاقات من حقائق تاريخية ووقائع، وفي تجاهل معلن للنووي الإيراني وما يشكله من تهديد غير واهم على الخليج العربي وأمنه؛ خلافاً لما يصفه البعض ويطمئن به! ماذا لو أفرز الحوار تصاعد التوترات والمهاترات والمماحكات، وحمى الوطيس بين الطرفين؟! بعد أن عملت قوى غربية على تحريك عناصر الفوضى في المنطقة العربية، وأسهمت في تشظيها؛ هل سيكون الخليج العربي الهدف الأكثر دقة في المرحلة المقبلة؟! هل سيكون موضوع الدعوة إلى حوار خليجي-إيراني أولى اللعنات التي تحل بالخليج لتفكيكه هو الآخر لاسيما في ظل ما يملكه من مقومات الانقسام في الآراء والمواقف بشأن العدائية مع إيران من عدمها.ثم التساؤل الأهم؛ ولربما الأكثر واقعية؛ ماذا لو تمكنت أمريكا من استغلال ذلك الانقسام لصالحها من خلال شرطيها الجديد في المنطقة «إيران»، والذي سيكون طرفاً فاعلاً ورئيساً في الحوار؟! ماذا لو نجحت الفاتنة الطهرانية في إشعال فتيل الفرقة والانقسام ممهد الأرضيات بين دول مجلس التعاون الخليجية، وعمقت هوة الاختلافات بينهم؟!كلنا يعلم أن الخصم أو العدو دائماً ما يبحث عن الثغرات، ويختار البدء مع الأطراف الرخوة لضمان بسط نفوذه عليها، فهل ستمنح بعض دول مجلس التعاون خصومها تلك الفرصة في شعار ضمني مفاده «هيت لك»، ثم تصرخ وتندب حظها إذا ما انتهكت حقوقها وهدرت كرامة صيغتها التعاونية على أعتاب أمن الخليج بالمفهوم الأمريكي، في ظل غياب مفهوم خليجي مشترك لأمنه ومصالحه؟! أم هل سيحقق الخليج العربي من الصلابة والمنعة والجاهزية ما يرهب الخصم ويغير حساباته؟!ثم إن السؤال، ولتدارك الأخطار القريبة المهددة لأمن الخليج، أو يمكن أن يعمل الأخير وبصفة طارئة على إيجاد صيغة أمنية وسياسية فعلية وموحدة إزاء القضايا المهمة المطروحة في الساحة والدعوات المترامية هنا وهناك وبحث المواقف منها وسبل معالجتها، لكي يخوض الخليج مراحله المقبلة، بخطى ثابتة خالية من المفاجآت الفردية التي قد تقلبه رأساً على عقب؟! إن الخليج العربي، لكي يواجه الحمم البركانية المتطايرة من حوله، بحاجة لمزيد من القوة والقوى المساندة، والاتفاقات المشتركة في إطار العمل العسكري والسياسي، مع دول عربية نحو مصر، كما لعله بحاجة للبحث في غايات الدعوة للحوار الخليجي-الإيراني ومبرراته. ولتعويض ذلك بل قبله، من المهم وقف أي احتمال انقسام وتشرذم خليجي في الوقت الراهن والمراحل المقبلة؛ لأن التشرذم الذي نخشاه سيسهم عند وقوعه في عزل بعض قوى المنطقة عن الأخرى، وهو ما سيجعل تفتيت الخليج أمراً هيناً. علينا ألا ننسى أن أمريكا وإيران لطالما برهنوا عبر تاريخ طويل إدراكهم لثغرات العدو واستغلالها أبشع استغلال، هم يعرفون جيداً «من أين تؤكل الكتف»، فيما لم يتعلم الخليج العربي بعد كيف يستر كتفه العاري ويحصنه بما يكفي لضمان سلامته وأمنه؛ بدليل أن الخليج مخترق من الداخل بفئات من شعبه، وما يذعنون به من ولاء لإيران، ومن يدري.. فلعله مخترق أيضاً في بعض أنظمته بصورة أو بأخرى.. ولربما ثمة مفاجآت قريبة تطلع على السطح.. ليؤدي بعضهم يوماً دور البطولة.!!- اختلاج النبض..لكي لا يسمع العالم صرخات الخليج المدوية كما أسمعته العراق وسوريا ولبنان ومصر في وقت مضى، ولكي لا يستغيث بأحدهم كما فعلت ليبيا واليمن، عليه أن يقف بالمرصاد لكل ما يمكن أن يسهم في تعذر تحقيق أمنه أو يشكل عليه تهديداً، إن الخليج العربي إنما هو أحوج لتوحيد سياساته ومواقفه إزاء القضايا الراهنة أكثر من أي وقت مضى.. ومن خرج عن تلك الغاية، أو عالجها بمفهوم متفرد فإنما هو أجدر بأن يوضع بين قوسين.!!
Opinion
سيناريوهات تداعي «الحوار الخليجي - الإيراني»
15 مارس 2015