عرفته أول مرة قبل أن أراه من خلال حديث والدي عنه وذكريات الطفولة والصبا التي تميز فيها عن أقرانه، فقد حمل هيبة ووقاراً جعلت أقرانه يظنون أنه يكبرهم سناً، شغلته مجالس العلم ولم تشغله المسيرات والمظاهرات التي ينظمها القوميون والشيوعيون وغيرهم، هكذا كان في صباه أكبر من عمره جاداً في حياته كما هو في كبره، وعرفته أكثر عندما درسني أيام الجامعة، كان مختلفاً في كل شيء نظراته التي تنطق حروفاً، قسمات وجهه التي تحكي تاريخاً من الصدق والثبات، طريقة حديثه، مشيته، غيرته على الدين، كل شيء فيه يفرض احترامه على الآخر، ذلك هو العالم والشيخ الجليل الأستاذ الدكتور حارث سليمان الضاري رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، أمين عام هيئة علماء المسلمين في العراق الذي وافاه الأجل يوم الخميس الماضي في تركيا، عاش حياة مشرفة وكشف مماته عن حقائق مرة.أما حياته المشرفة فقد جمع فيها بين العلم والعمل، كان فارساً من فرسان الحديث النبوي مدافعاً عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم قبل دفاعه عن أهله وبهذا اشتهر، فضلاً عن شهرته الاجتماعية كونه زعيم قبيلة معروفة تعرضت للعقوبات والانتقام بسبب نهج المقاومة منذ احتلال العراق على يد البريطانيين، ثم على يد الأمريكان بعد عام 2003 واليوم على يد أذناب الولي الفقيه في العراق، إلا أن الزعامة القبلية كانت ثانوية في حياته ولم تشغله كما شغلته هموم أمته، وعرف بعد غزو العراق مناهضاً للاحتلال الأمريكي ورمزاً للعرب السنة ومقاومتهم، فحقق حضوراً في الساحة العراقية لم يكن لأحد سواه رافقه ثبات على المبدأ والموقف، يفرض على من يخالفه الاحترام، ثبات متأصل في شخصه حتى قبل الاحتلال فقد شهدت له مواقف يضعف أمامها الرجال لكنه لم يكن هياباً فثبت ودفع ثمن ثباته، لم يعرف التلون فكان شوكة في عيون الفرس ومن ناصرهم وشاركهم.رحل الضاري وبرحيله اكتشفنا:حقيقة مرة.. فقد العرب السنة في العراق الأب الرمزي وأصبحوا أيتاماً على موائد اللئام.حقيقة مرة.. كشفت وفاته أن الساحة خالية من شخصية تحمل صفات الضاري وتحل محله.حقيقة مرة.. لم يعرف العرب والعراقيون قدره ويلتفوا حوله في حياته قدر ما عرفوه وجمعهم مماته، ليثبتوا أنهم لا يعرفون عظماءهم إلا بعد موتهم.حقيقة مرة.. من جاءت بهم أمريكا من العرب السنة هم من عمل بجد خلال الأعوام الماضية لصرف الناس عن الالتفاف حوله وأن يكون للعرب السنة قيادة واحدة، فذاك أمر يطيح بهم.حقيقة مرة.. لم يفجع العراق والأمة الإسلامية في شخصية عراقية كما فجعت في وفاته.عاش الشيخ حارث الضاري بطلاً شامخاً ومات بطلاً شامخاً، طبت حياً فطب ميتاً أبا مثنى.
Opinion
رحيل الضاري.. ماضٍ مشرف وحقائق مرة
16 مارس 2015