تتراكم كثبان من التحديات على الحدود الخليجية من جميع الجهات، ولعل آخرها تحرك آلاف من العسكريين التابعين لجماعة الحوثة في مناورة لهم بعد ظهر الخميس 12 مارس 2015م بمنطقة «كتاف» التابعة إدارياً لمحافظة صعدة على حدود نجران السعودية، وكان هدف المناورة الاستعداد لأي تحديات، وتحديث العملية العسكرية، كما قال ناطقهم الرسمي.وقد أتت المناورة في أتون سياقات سياسية تظهر ما لا يقبل الجدل أنها كانت تجاوباً مع مطالب إيرانية لإجرائها لقيت ترحيباً حوثياً في سياق التقرب لطهران، لكي تسخى بالدعم الاقتصادي للوفد الذي تجاوزت زيارته الأيام العشرة، وشهد توقيع اتفاقات عدة وتجديد للولاء. توقيت المناورة الذي تستمد منه حمولتها الرمزية يتمثل أيضاً في تزامنها مع مناورات إيرانية في مضيق هرمز، والتي رغم ضجيجها إلا أن طهران لم تنجح في إظهار قوتها فيها بقدر ما تحاول أن تخفي بتلك المناورات ضعفها أمام الولايات المتحدة التي كانت هي المقصودة بها؛ رغم الادعاء بأنها لاختبار أسلحة جديدة، حيث فضحتها تصريحات العسكريين الإيرانيين، إذ تجدر الإشارة هنا إلى أنه بعكس معظم الدول نجد أن تصريحات عسكر طهران أكثر من تصريحات السياسيين فيها.فالمناورات الإيرانية هي رسائل لواشنطن بالدرجة الأولى في جهد مواز للمفاوضات النووية، كما إنها رسائل سياسية لمن يستخدم مضيق هرمز، ورسالة لدول (1+5) التي تتناثر قطعها العسكرية في مياه وعلى ضفاف الخليج العربي. الفرق بين المناورات الإيرانية والحوثية هو في الحجم؛ حيث تشترك في الإيرانية أغلبية قطاعات الحرس الثوري والصنوف العسكرية من قوات برية ومدفعية وقوة صواريخ وسلاح جو وقوات بحرية، فيما اشتركت في المناورات الحوثية أسلحة ثقيلة محدودة، بينها دبابات ومدفعية وصواريخ كاتيوشا، كما إن المناورات الإيرانية تستمر لعدة أيام بينما لم يمض إلا سويعات حتى انتهت المناورة الحوثية كما بدأت. في تقديرنا أن مناورة الحوثيين الأخيرة ستكون مدخلاً لتطبيق «استراتيجية المناورات» التي تنتهجها طهران، وسنرى الحوثة الذين لا يتكلمون إلا بقوافي صليات الكلاشنكوف يستعرضون قواتهم بسبب وبغير سبب، فهم لا يؤمنون بجدوى استخدام أدوات القوة الناعمة، بل أدوات القوة الخشنة، فقد غادروا محطتهم الفطرية المتوحشة ولن يؤذن لها بدخول محطة غيرها إلا بسبطانات المدافع، وما جرى مناورة عسكرية استفزازية لدول الجوار عن قصد، ولذلك ستبقى قصيرة بما يكفي لحمل الرسائل السياسية والعسكرية لدول الخليج العربي.كما إنها تتم لتبرير طلب زيادة المخصصات الإيرانية للإنفاق العسكري الحوثي، وسيستمر عقد المناورات كلما تطلب الأمر إظهار أنها تتفاوض حول سلطتها في صنعاء من موقع قوة، بالإضافة إلى الجوانب النفسية والسياسية التي تتركها أخبار المناورة في الداخل الهش، وحين نحاول بتروي قراءة الظروف التي ولدت فيها مناورات الحوثيين ندرك أن القواعد الإقليمية قد تغيرت، وقد لاحظ الحوثيون ذلك أيضاً فقاموا بمناورتهم الهزيلة لإيمانهم بأنها ستزيد المشهد السياسي الإقليمي إرباكاً لتغير القواعد، وعليه ربما سيلجأ الحوثيون إلى طرق لإشغال السعودية على حدودها، ومحاولة إرباكها وتشتيت تركيز صانع القرار عما يجري شمالاً وشرقاً.- أخيراً..لا شك أن المناورات الحوثية مؤخراً كانت رسالة سياسية امتلأت بالاستدلالات المتهافتة، وهي جزء من تلك الخريطة المتوحشة التي تشكل جنوب الجزيرة العربية، لكن ما يقلقنا هو أن تجري لاحقاً بوتيرة متزامنة مع المناورات الإيرانية في الزاوية الأخرى من الجزيرة العربية، ويتم إغلاق هرمز وباب المندب في وقت واحد، فإيران تمتلك أكثر أنواع الألغام البحرية تطوراً، والإعلان عن مناورة من كلا الطرفين لزرع وتطهير الألغام في المضيقين كاف لتركيع العالم.