ليوم الجمعة نكهة خاصة تختلف عن باقي الأيام، فعدا مكانته الدينية، كان يوم الإجازة الأسبوعية الوحيد، لذلك فقد اكتسب طعماً آخر غير باقي الأيام؛ طعم «المقلوبة».كانت أيام الجمعة في «مخيم المحطة» حيث نشأت، تتميز برائحة واحدة تمتد من أقصى المخيم إلى أقصاه، وهي رائحة «الباذنجـان» او «البطاطـــا» أو «الزهرة» المقلية، وهي أساس مكونات «المقلوبة»، فلا تمر في أزقة المخيم إلا ويتبادر إلى مسامعك صوت «طرطشة الزيت» أثناء القلي، وأصوات الأمهات يصرخن في الأولاد؛ إما خوفاً من حرارة الزيت أو منعهم من «اقتناص» بعض قطع «الباذنجان»، مما يعني أن «الطبخة» لن تكون مكتملة بـ «باذنجان» قليل.شخصيا كنت أحب كثير وضع بعض شرائح «الباذنجان» في رغيف مع قطرات الليمون وتناوله سريعاً، قبل أن أسمع والدتي -أطال الله في عمرها- تصرخ عليّ خوفاً من حرارة الزيت.ولمن لا يعرف «المقلوبة»؛ فهي من الأكلات الفلسطينية القديمة، تتكون من الدجاج والرز ومقلي الباذنجان أو البطاطا أو الزهرة، وفي حال وجود بعض أفراد الأسرة لا يرحبون أحد هذه الأنواع، فتضطر الأم إلى وضع صنفين معاً مثل «الباذنجان والبطاطا»، وليأكل كل شخص ما يروق له.«الهيثم» ابني الكبير، يختلف عني وعن أخوته، فهو لا يحب تناول «الباذنجان» بكل أشكاله، ولكنه، مثل الجميع، «يعشق المقلوبة» بكل أنواعها الأخرى، لذلك فلا تخلو «مقلوبتنا» من أنواع مختلفة من الخضروات.الأوطان مثل «المقلوبة» تتنوع أشكال مكوناتها وتختلف في الفكر والعقيدة واللون، لكنها جميعها تشكل «خلطة» جميلة متناسقة يعشقها الجميع، ولديها الاستعداد على تقديم الغالي والنفيس من أجل بقائها وتطورها ورفعتها، وتشكل جميعها صورة واحدة ذات طعم ونكهة رائعين لا يختلف اثنان في ذلك.ورق أبيض..ميزة البحرين الأساسية في التنوع الثقافي والفكري، وبالتالي فهي تشكل نموذجاً فريداً في المنطقة، وربما في العالم، للتعايش بين الطوائف والأديان، هذا التنوع ساهم منذ القدم بأن تكون البحرين دائماً السباقة في مجالات وميادين كثيرة على مستوى الخليج، فالجميع كان يشعر أنه يشكل لبنة متميزة في هذا البناء الشامخ، وكان يؤمن دائماً أنه منفرد دون الآخر بلا طعم أو لون أو هوية.