اختتمت في العاصمة المنامة أمس الثاني جلسات مؤتمر الشرق الأوسط للاستراتيجيات الإعلامية «الأمن الإعلامي الخليجي.. التحديات والاستراتيجيات»، والذي نظمه مجلس العلاقات الخليجية الدولية «كوغر»، بحضور نخبوي من الإعلاميين والكتاب في الحقل السياسي، فضلاً عن المهتمين بالشأن الخليجي والفكر الوحدوي، وقد كان مؤتمراً ثرياً بما قدم فيه من آراء ورؤى. وكما وصفها رئيس المجلس د.طارق آل شيخان الشمري، فقد كانت الجلسة الأخيرة ساخنة جداً؛ تناولت محوراً شائكاً ومستفزاً بعض حين، عنوانه «الإعلام الإقليمي المضاد وسبل مواجهته»، في طرقٍ لأبواب الإعلام المضاد في الداخل الخليجي وخارجه، واستعراض يثير الحسرة لفرص ذهبية لو استثمرها الإعلام الخليجي أو التفت إليها لكان قد أصاب عدونا في مقتل. أقيم هذا المؤتمر القيم بهدف رفع توصياته لوضع استراتيجية إعلامية خليجية موحدة، وفي رواية أخرى.. استراتيجية عربية؛ الأمر الذي يبدو لي حلماً وردياً جميلاً نستحضره من زمن نحسبه أجمل، غير أن هذا الحلم لا يمكن تحقيقه قبل أن نحقق استقراراً عربياً وسيادات عربية، وهو أمر غير متحقق في عدد لا يستهان به من الدول العربية المتشظية، عزز هذا الرأي أحد المشاركين بالحديث عن خليج لم يحقق وحدة سياساته حتى اللحظة، فكيف سيضع استراتيجيته الموحدة للإعلام؟ يجرنا هذا السؤال؛ هل يشهد إعلام البيت الخليجي حالة من التنافس أم التكامل، وهل تصب جهوده المبذولة في الحفاظ على هويته وخصوصيته المحلية أو الخليجية، أم تنطلق لفضاء أعم وأهم للذود عن أمنه؟!رغم إدراكنا أن الإعلام صناعة، مازلنا في الخليج نتعاطى معه بصفتنا إعلاميين ومؤسسات إعلامية كمستهلكين، في دائرة إنتاج تخبطية في أغلب الأحيان، تجعل وسائل الإعلام أداة نستهلكها في تفريغ نزواتنا، وإشباع نرجسيتنا وتعزيز أنانا الفردية. أتساءل هل نملك في خليجنا العربي، أجندة إعلامية واضحة نعمل في ضوئها على صناعة العقول وتوجيه الرأي العام، ورفع معدلات الوعي الثقافي والسياسي لدى أبناء الخليج العربي؟ بل هل أسهم إعلامنا الخليجي في تعزيز الانتماء المواطني، والانتماء للمنظومة الخليجية؟! الإجابة حتماً مخيبة للآمال.!!يواجه الخليج العربي حملات إعلامية منظمة.. وخيوط المؤامرة المحاكة ضده أصبحت حبالاً تلتف حول رقبته، سواء من قبل وسائل الإعلام الرسمية أو من خلال الاستخدام الكارثي الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي من قبل العدو، ببث رسائل تنفذ إلى الوعي الجماعي بما يهدد الأمن القومي الخليجي من الداخل والخارج.في كتابه «جيوش اللغة والإعلام» قدم «علي كنانة» أطروحته للدكتوراه؛ دراسة مقارنة رصينة في لغة وإعلام الغزو الأمريكي للعراق 2003، وكشف عن عناصر الاستمالة والتضليل التي يهيئها اتحاد اللغة والإعلام لتحقيق أهداف العدو وإيصاله لغاياته، وذلك من خلال إنتاج وإعادة إنتاج الوعي، سواء في الداخل الأمريكي أو على المستوى الدولي، وهو ما يؤكده الصمت والتشفي العربي الذي شهده غزو العراق. وفي كتاب آخر يلخص الدراسة ويفند نتائجها يقول «إذا ما أردنا أن نقارب حرباً، أسلحتها لغوية وعرباتها المجنزرة إعلامية، لابد من استكناه المستور وفحص آليات صناعة الحرب، ما يقود إلى منظومة معقدة على قدرٍ عالٍ من التشابك والتساقي، تكشف لنا في النهاية عن أن أصل الاشتغال يجري في منطقة الوعي الجماعي، إنتاجاً وإعادة إنتاج، من خلال عدد كبير من عناصر الاستمالة والتضليل».!!إننا اليوم لا نتطلع لصناعة الحرب كما فعل الغرب، وكما فعلت جارتنا الشرقية اللعوب؛ إن جل ما يجب أن نكرس فيه جهودنا هو استراتيجية إعلامية موحدة تتأتى من توحيد مواقفنا وأجنداتنا السياسية، إننا بحاجة للدراسات والرصد، والتعرف على مصدر الحروب الإعلامية التي نتعرض إليها، على نحو أكثر دقة من تقديراتنا والتسليط المزاجي التخبطي لأضوائنا، إننا متى ما تمكنا من تحديد العدو وتعرفنا على نوع الحرب الإعلامية التي يمارسها، سنكون قد تحصنا من تخبطنا المعهود، وتجنبنا «البحث عن قطٍ أسود في غرفة مظلمة لا يوجد فيها قط أصلاً»، لكي لا تذهب جهودنا المتواضعة أدراج الرياح.- نموذج نابض..من حروب الإعلام واللغة التي تدق طبولها في كل حين؛ تغريدة للخارجية الأمريكية على «تويتر» تسمي فيها الخليج بـ»الخليج الفارسي».!! هذا.. رغم أن الاتفاق الأمريكي الإيراني لم يتم بصورته النهائية بعد، فرسالتي إلى خليج لم يحم هويته «زغردي يا انشراح..» وعليكم بقية الحكاية.- اختلاج النبض..صناع القرار في الخليج العربي؛ نوماً هنيئاً.. وأحلاماً سعيدة؛ فالواقع الذي نتجرع مرارته كشعوب.. لا يليق بمقامكم كصفوة.!!