أبدأ من جملة ختم بها الأخ المحترم عيسى الحمادي وزير شؤون الإعلام بالأمس ورشة تطوير قطاع الإعلام والاتصال التي أقامتها وزارة شؤون الإعلان وبالتعاون مع معهد الإدارة العامة، حيث قال «أهل مكة أدرى بشعابها» في ختام الورشة، مشيراً إلى المشاركة الواسعة من قبل الجهات الإعلامية ونخب من المثقفين والمتأثرين بوسائل الإعلام الحديثة.هذه الجملة جاءت في سياق تفاعل معه جميع الحاضرين وصفقوا لها بسبب إفصاح الوزير عن تقديره وشكره الجزيل لهم، والأهم منحهم قدرهم ومكانتهم في مجال تخصصهم وهو الإعلام.الورشة نراها خطوة إيجابية وبإمكانها أن تؤسس لعرف طيف في مجال وضع الخطط الاستراتيجية الواقعية لعديد من قطاعات الدولة التي يتأثر بعملها شريحة كبيرة من المعنيين وعلى رأسهم يأتي المواطن.حينما تجمع كافة المعنيين بأي موضوع أو شأن، أو أقلها شريحة ممثلة عنهم، وتطلب منهم تقييم الوضع الحالي لهذه الوزارة أو تلك، بحيث تكون الممارسة المستخدمة في الورشة بأسلوب بيان الأخطاء وإبراز الملاحظات والتحفظات والرؤى بشأن مكامن الخلل، وترك الإيجابيات جانباً، باعتبار أنك تريد عملية «جلد للذات» تتم بأسلوب متجرد بعيد عن المجاملات، حينها فإنك تبدأ مسارك بشكل صحيح، حينما تعترف بوجود مشكلة هنا وهناك، وحينما ترفض أن يتم تجميل الواقع، أو إيراد المجاملات، وتطلب النقد وإن قسى عليك، حينها تتفاعل معك إيجاباً بالضرورة كافة الشرائح المعنية، بل وتساعد في عملية التفكير واقتراح التعديل.قليل من الوزارات والقطاعات التفت لأهمية مشاركة الشرائح والكيانات المعنية في عملية صياغة أو تعديل استراتيجيات العمل، قليل منهم اهتم بمعرفة رأي الناس، أو بذل جهد للوصول إليهم، وما حصل بادرة طيبة يجب تشجيعها وشكر القائمين عليها خاصة على سعة صدرهم وتقبل الآخرين.التفاعل الطيب الجميل من الجميع، وحتى مشاركة أصحاب فكر مختلف، كان له أثره الإيجابي في إثراء النقاش وفي رصد السلبيات، وفي تحديد الطموح وملامحه بشكل صريح وواضح ومباشر، خاصة حينما تقمص كل شخص دور المواطن وبدأ بانتقاد حتى المنظومة التي ينتمي لها كالصحافة ووسائل التواصل والإذاعة والتلفاز والخطاب الحكومي الرسمي.أتخيل لو أن كل وزارة أو قطاع قام بنفس العملية، لو عقد ورشاً تفاعلية مع المعنيين والمتأثرين بعمله، ومع شريحة تمثل المواطنين، لعرف القائمون على القطاعات أين يتوجب توجيه البوصلة، وماذا يجب تجنبه وتلافيه، وما الذي يجب التركيز عليه.هذا التفاعل هو المطلوب، واحترام آراء الآخرين من مختلف الشرائح والقطاعات مسألة بالغة الأهمية في صنع شراكة إيجابية تساعد حتى القائمين على أي قطاع في تطويره والارتقاء به.«أهل مكة أدرى بشعابها» جاءت على لسان الأخ الحمادي في الختام لبيان السبب الذي لم يدفعه لانتهاج الأسلوب المعتاد في رصد وتقييم الأداء، وهو المتمثل بإحالة المسؤولية والملف إلى شركة استشارية (غالباً ما تكون أجنبية كما اعتدنا في كثير من القطاعات) تقوم هي برسم سياسة ووضع استراتيجية تكون غالبا بمعزل حتى عن معرفة رأي المتأثرين والشركاء، وهذا كان سبب كوارث عدة ومنعطفات سلبية عصفت بكثير من القطاعات. القول أعلاه كان معنياً بوسائل الإعلام، بالصحافة، والمتعاملين بأسلوب عقلاني راق في وسائل التواصل، وغيرهم، إذ هم بالفعل «أهل مكة»، هم العارفون ببواطن الأمور وظواهرها بشأن الإعلام وأدائه وما هي التطلعات والطموحات بشأنه.ولأنه -أي الوزير- احترم وبشكل راق كل المشاركين وتلقى برحابة صدر هو وطاقم العمل في الوزارة كل الملاحظات والسلبيات والمقترحات، فإنه استحق الإشادة والاحترام من قبل الحاضرين، مع الدعوات بأن يوفق الله جميع الجهود المخلصة الساعية لمزيد من التطوير في قطاع الإعلام وأن يصل للصورة التي تخلق نوعاً من الرضى عن الأداء ولو بعد حين.