في جنح الليل يتحرك بخفة رجال القوات الخاصة مسلحين وملثمين لانتزاع برج المراقبة من جماعة إرهابية تحتجز بعض المدنيين، وتطالب بفدية مالية وبإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين، كما تطالب بتوفير طائرة نظير إطلاق سراح الرهائن. لقد اعتقد الإرهابيون أن لهم اليد العليا في إدارة الأمور، لكن رجال القوات الخاصة بمهاراتهم العالية وضعوا خطة لقلب الأمور لصالحهم، حيث هاجمت القوة المشكلة من جنود من الكويت والأردن والإمارات وأمريكا برج المراقبة من أكثر من جهة، ونجحت في القضاء على الإرهابيين الخمسة وتحرير الرهائن دون إصابات، لقد كانت هناك فروق بين رجال القوات الخاصة في شاراتهم وبدلاتهم المختلفة الشكل والتصميم لاختلاف بلدانهم، لكنهم كانوا فريقاً واحداً يخوضون معركة واحدة، أو هذا ما أظهرته القصة التي نشرت ضمن أدبيات تمرين حسم العقبان 2013م.إن شعار «دول عدة فريق واحد لخوض معركة واحدة» هو من المشهيات المعنوية لتحقيق المطلوب من تمرين حسم العقبان «Eagle Resolve Exercise»، الــــــــذي بدأ أول مرة في البحرين عام 2000م، ويعقد هذه الايام في الكويت حتى نهاية شهر مارس الجاري، والتمرين جهد ضخم ويهدف لتعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون والدول الشقيقة والصديقة التي بلغت أكثر من 22 دولة، وينفذ التمرين على ثلاث مراحل هي مرحلة تمرين مراكز القيادات «Command Post Exercise «CPX ومرحلــــــة التمريـــــن الميدانــي «FTX Field Training Exercise» علـى أن تختتم فعالياته بإقامة ندوة دولية لكبار القادة لتبادل واكتساب الخبرات في مجال ادارة العمليات المشتركة وتنسيق التعاون في مجالات عدة؛ منها إدارة الأزمات والكوارث ومكافحة العمليات الإرهابية.وهنا نتفق مع القائمين عليه بأن التمارين العسكرية هي أحد أضلاع النصر مع الانضباط والقيادة، وهي استثمار خليجي ناجح، فبالتمارين تبرز كفاءة القوات القتالية ويرتفع مستوى الجاهزية والقدرة على التنسيق والمعاونة الإدارية واللوجستية، كما أن التمارين تعقد لإظهار حداثة الأسلحة وكثافتها النارية، فتكتسب السياسة الخارجية للدولة قوة نفوذ تحقيق به أهدافها الوطنية وتخلق ردعاً سياسياً بغطاء عسكري.ويتزامن مع تمرين «حسم العقبان» بنسخته «13» قلق خليجي من تنظيم «داعش»، فأين دور تمرين حسم العقبان فيما يجري؟!لقد تكونت من حولنا مستنقعات التهديد ولم تجففها واشنطن، بل أمعنت في تغذية بعضها من جداول التردد، وانحصرت التمارين ليس في مواجهة خطر جيش نظامي، بل لمواجهة العمليات الارهابية حصرياً، ويكمن الخطأ الاميركي في تصوير «داعش» كجماعة إرهابية، بينما يقول الواقع ان التنظيم يملك آلة عسكرية ضخمة تفوقت على جيوش القوى الإقليمية المحيطة في مجالات المناورة وكثافة النيران وخفة الحركة، ثم حقق نصره الأكبر بآلته الإعلامية التي شرعت أبواب التطوع على مصراعيها لشذاذ الآفاق. لقد ظهرت خطيئتنا الخليجية في الانقياد للفكر الأميركي دون نقاش رغم كارثية اعتبار «داعش» جماعة إرهابية، كما أشرنا، وهي بقدرات جيش نظامي متمرس، ومع ذلك لا يبدو أن مخرجات التمرين من السنوات الماضية قد نجحت في وقف خطر داعش.وعليه فليس من المتأخر ضبط حدود الاختلاف مع حلفائنا الأميركان، فقد سموا التمريــن «Eagle Resolve Exercise»؛ ولمكانة النسر الوضيعة في مخيلة العرب لكونه طائراً جباناً يأكل الجيف، لم نسم التمرين «حسم النسور» بل «حسم العقبان»، لأن العقاب غير النسر، فالعُـقاب ملك الطيور بلا منازع لا يأكل إلا من صيده، وقد تفهم حلفاؤنا ذلك واستدركوا الأمر لنكتشف أن المترجمين العرب الأوائل هم من ترجم كلمة «Eagle» إلى نسر بدل عقاب، رغم نبل صفات الطائر الأميركي. فإذا كان «داعش» خطراً يفوق خمسة إرهابيين يحتلون برج مراقبة، وإذا كان الأميركان متفهمون عند الإصرار على تصحيح الإعوجاج؛ فلماذا يبقى تطور مهارات رجالنا لا يتعدى مكافحة الإرهاب بدل وقف جيش نظامي؟!
Opinion
الخليج بين تنظيم «داعش» وتمرين «حسم العقبان»
25 مارس 2015