لا ينكر تأثير الخطاب الإعلامي اليوم إلا شخص يكابر، ولا يعبر عن عدم اكتراثه بتأثير ما ينشر ويتداوله الناس إلا من لا يقيم لهم وزناً، وعليه فإن الصنف الأخير لا يصلح بأن يتم توليته أمر الناس وإسناد المسؤولية له في شؤون تعنيهم. ولا يجوز لأي مسؤول أن يهون من أمر مادة رسمية تنشر في الصحافة والإعلام من ناحية تسببها بفوضى وقلق وردود فعل في صفوف الناس. والحالة الأخيرة تحصل بكثرة بسبب بيانات وتصريحات تنشر هنا وهناك. لكن رغم ذلك هناك نوع أخطر وبكثير فيما يتعلق بما يصدر عن الجهات الرسمية. نتحدث هنا عن حالات تصادم تحصل بين قطاعات الدولة نفسها، ويكون موقع «حادث التصادم» هذا على صفحات الجرائد أو في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وما يتبع كل هذه الوسائط من تداول في وسائل التواصل الاجتماعي.نتحدث هنا عن التناقضات الصارخة المتضاربة في التصريحات الرسمية والتي تعنى بموضوع معين، بحيث تتحول لدينا الحالة هنا إلى أشبه ما يكون بردود القطاعات على بعضها البعض وعلى الملأ أمام الجمهور. هذه الظاهرة لها تداعيات خطيرة، ليست تظهر على أداء أجهزة الدولة في المقام الأول، بل الأكثر خطورة هو تأثيرها على المواطن وتكييفها لردات فعله ونفسيته وتشكيل آرائه. القناعة التي يجب أن تترسخ لدي كمواطن بشأن أداء الدولة، يجب أن تتمثل باعتقاد ثابت أن حراك أجهزة الدولة متناغم مع بعضه البعض فيما يتعلق بإجرائه، خاصة وأن ما يجمع هذه القطاعات برنامج عمل شامل تتقسم أفرعه تحت مظلة برنامج عمل الحكومة، فما بالكم لو كانت الممارسات على العكس؟! لا يمكن القبول بتاتاً بأن تصدر بيانات وتصريحات عن جهات رسمية في شأن موضوع ما ويتضارب بيان أو خبر مع الآخر، أو أن يصدر بيان هنا وكأنه رد على بيان آخر يتعلق بنفس الموضوع.هذه الأمور تحصل وما ينشر في وسائل الإعلام المتنوعة شاهد عليها، بالتالي أن يعيش المواطن حالة شتات ووضعية ضياع بسبب تناقض الخطاب واختلافه وبسبب صدور أخبار متضاربة هو الخطأ بعينه. لا نريد ذكر أمثلة، لكن ما حصل الأسبوع الماضي من نشر خبرين في نفس اليوم وفي نفس الصفحة بشأن الدين العام، واحد صادر عن وزارة المالية يوضح فيه مبررات رفع سقف الاقتراض، وآخر عن مصرف البحرين المركزي يحذر فيه من خطورة الاقتراض، لهو دليل صارخ على ما نقول. يحصل الإحراج لدى السلطة التنفيذية حينما تتضارب تصريحات جهتين أو أكثر بشأن موضوع يراه المواطن بعين الأهمية، وتحصل الفوضى والبلبلة في صفوف الشارع جراء ذلك، ويسود القلق وتبدأ التساؤلات والقلق وطرح المخاوف بالبروز عبر مختلف وسائل الإعلام أو منابر التعبير. توحيد الخطاب الحكومي الرسمي مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لأي مجتمع يسعى لحل مشكلاته بشكل متقدم ذكي، ويحاول أن يضمن استقرار الشارع ويمنع وجود أي سبب لإثارة الغبار الذي يكون أحد أكبر المعيقات أمام التصدي للمشكلة. إذ هل ستركز وقتك أو جهدك لحل الإشكالية أو القضية، أم ستضيع الوقت في تهدئة المزاج العام ومحاولة إزالة قلقهم أو توجيه رسائل طمأنة؟!وهنا لا يعني توحيد الخطاب أن يكون قائماً على أساس طمس الحقائق وانعدام المصارحة والمكاشفة، إذ في النهاية من حق المواطن أن تقدم له الحقيقة بأسلوب شفاف وواضح، لكن القصد يكمن في ضرورة التفكير بخطورة التداعيات إن أرسلت رسائل رسمية متضاربة.هنا من الناجع التفكير بجدية في شأن توحيد الخطاب الرسمي وأن تكون البيانات الصادرة بشأن قضية ما تتضمن توجهات كل جهة معنية، وأن تقدم بصورة واضحة معتدلة تضع نصب عينها التداعيات على المجتمع والمواطن. نريد حلولاً للمشاكل، ولا نريد افتعال مشاكل زائدة بسبب سوء التنسيق وعدم توحيد الخطاب.والله من وراء القصد.