قالت العرب: «ما للصبابة إلا من يقاسيها والنار لا تحرق إلا رجل واطيها». ولكن الأمر يكون مختلفاً وحرارة الجمر تصبح كالبرد وتنعش القلب عندما يصدر قرار حكيم من أب عظيم جل اهتماماته أن يتأكد بأن أمور رعيته تسير بالطريق الصحيح، وإن كانت بعض الأمور تستغرق وقتاً أكبر للتنفيذ، فهذا يعود لحكمته التي يغفل عنها الجاهلون والذين يعلمون في قرارة أنفسهم أن كل شيء في وقته يحين، لذا فبعد الاطلاع والاستطلاع والتمحيص لم يتوان الأب الحكيم في إصدار المرسوم الذي يعي بمدى أهميته للمواطنين الذين صار لهم زمن وهم متعطشون. ولكي يكون لشريعة الله عز وجل من المطبقين فكان لابد من مشاورة الباحثين والعارفين لأمور ميزانية الدولة والقوانين.وإنه استمراراً لمواقفه الإنسانية المعروفة فقد أصدر عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه القانون رقم 59 لسنة 2014 بتعديل المادة (5) من القانون رقم (74) لسنة 2006 بشأن رعاية وتأهيل وتشغيل المعاقين وقد نصت المادة (5) الفقرة الثانية على ما يلي: «.. ويمنح الموظف أو العامل من ذوي الإعاقة أو الذي يرعى معاقاً من أقربائه من الدرجة الأولى، ممن يثبت بشهادة صادرة عن اللجنة الطبية المختصة حاجتهم لرعاية خاصة، ساعتي راحة يومياً مدفوعتي الأجر، وذلك وفقاً للشروط والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير. ولا يجوز الجمع بين ساعتي الراحة المقررة بموجب هذا القانون وساعات الرعاية أو الرضاعة أو الراحة المقررة في القوانين والقرارات الأخرى». والسؤال الذي يطرح نفسه متى سيتم العمل بهذا حقيقة؟ إنهما ليستا ساعتي راحة كما يعتقد الجاهلون وإن المجمعات سوف تكون وقتها عامرة بالموظفين. فالمراكز والمدارس والتي عددها محدود جداً، تنهي عملها في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً أو الساعة الواحدة على الأكثر، وهذا يقصر عن انتهاء ساعات دوام عمل الأم أو الأب بساعة أو ساعتين على الأقل. والذي لا يعلمه الأغلبية للأسف أن للطفل المعاق احتياجات لا يفقه بها إلا من يباريه ويهتم به. فالأمر أكثر وأهم من ذلك بكثير. فلا أحد يعلم كمية الضغط النفسي الذي يواجهه الأهل كل يوم، عدا عن نقص المناعة التي يتميز بها الطفل المعاق والتي تسمح له التأثر السريع بالأمراض.. الأمر الذي يقلب أوقات الراحة المزعومة إلى ساعات وأيام من النضال للأهل بين الأطباء والمستشفيات. فمهما بلغت درجة العلم والثقافة والوعي لدى الأهل لا أحد ممكن أن يتخيل الصدمة النفسية عند علمهما أن وليدهما مصاب بإعاقة ما. وكيف يحاولان بكل جهودهما أن يتغلبا على مصاعب المواقف اليومية التي ممكن أن يواجهاها مع فلذة كبدهما. وكيف يسعيان بالنهوض به وتقديم كل ما يمكنهما لكي يحظى ببيئة تنسجم مع عالمه الخاص، محاولين الابتعاد كل البعد عن اللحاق بركب الجاهلين والذين هم للأسف يقومون بإخفاء أولادهم المعاقين عن الناظرين. فلا أحد يعتقد بأنني بكلامي هذا من المفترين، لأنني حقيقة استوقفتني جموع من الحالات لرد فعل بعض الأهل مع الأبناء من ذوي الإعاقات إذا سردتها سوف يعتصر قلبي قهراً وحزناً ودمعاً قبل أن تكون حبراً على ورق. صدقوني، الأمر لا يقتصر فقط على تقديم التعاطف والمواساة، بكثر ما هو بحاجة لفهم عميق ووضع حلول جذرية تفوق الاحتفالات بالمتنزهات أو كلمات رنانة تتلى على آذاننا في المهرجانات والأيام العالمية والمناسبات. فالموضوع بحاجة لوضع سياسة لحماية هذه الفئة التي لا يمكن تجزئتها عن المجتمع والتي يمكن أن تعطي الكثير إذا قررنا نحن أن نستوعبها ونقدم لها في المقابل الكثير. وكان الله في عون الجميع.