بعد عقود من جمود العمل العربي، والخلافات الكبيرة، والانقسامات المتتالية، انتهاء بالفوضى الخلاقة، وما عقبها من استقرار يعود الحراك العربي من جديد بزخم وشكل مختلف أذهل المتابعين. ببدء عاصفة الحزم فإن العرب على أعتاب مرحلة جديدة لا تتطلب الفرحة والإثارة أو الاعتقاد بأن كرامة الأمة العربية المهدورة قد عادت، بل هي بداية تتطلب مزيداً من العمل لبناء مستقبل أفضل. لذلك فإن المحاولات التي تستهدف رسم الصراع السياسي القائم في اليمن تحديداً بأنه صراع طائفي بين السنة والشيعة أو صراع سياسي وعسكري بين العرب والفرس محاولات فاشلة. ما يجري الآن هو مرحلة الدفاع عن المصالح العربية، والحفاظ على الاستقرار في الدول العربية، وترسيخ الشرعية السياسية في بعض الدول، والقضاء على محاولات الجماعات الراديكالية والثيوقراطية الإرهابية والمتطرفة. العرب ليسوا بحاجة لصراعات ومواجهات سياسية وعسكرية واقتصادية بصبغة طائفية أو حتى مواجهات مع جيرانهم، بل هم أحوج ما يكونون لتحرك واسع النطاق من أجل الدفاع عن مصالحهم المشروعة أمام جماعات متطرفة تعيث فساداً هنا وهناك، ومواجهة تدخلات إقليمية ودولية في شؤوننا العربية الداخلية. خطوة المملكة العربية السعودية والدول الأعضاء في التحالف من أجل الشرعية في اليمن هي بداية لنظام إقليمي عربي جديد بعد شيخوخة النظام الإقليمي العربي السابق وانهياره عن بكرة أبيه منذ غزو الكويت في بداية العقد الأخير من القرن العشرين مروراً بغزو العراق بعد ذلك بعشر سنوات ويزيد. من الواضح أن ملامح النظام الإقليمي العربي الجديد تقوم على خاصية الأحادية القطبية التي ستتفرد فيها الرياض وستكون محور التفاعلات في هذا النظام لفترة زمنية ليست بالقصيرة. وهذه السمة تتطلب من الدول الأعضاء في هذا النظام التحالف مع القوى الإقليمية الأعظم، وهو تحالف سياسي عسكري اقتصادي، ويمكن من خلاله مواجهة التحديات العربية المتنامية التي حان أوان مواجهتها.نفهم جيداً حالة الإحباط والاستنفار والترقب من التحركات العربية الجديدة، ولكن المنطق السياسي يفرض علينا كعرب أن نظهر قوتنا السياسية بعد أن ظلت كامنة لفترة طويلة لمن يتربص بمستقبلنا المجهول. تحديات العرب كثيرة، وهي ليست مشكلة، ولكن المشكلة هي السكوت عنها لفترة أطول من الفترة الماضية، وتجاهلها وإقناع الذات بأن الأمور أفضل من قبل، وهذا ما كان قبل عاصفة الحزم، ولكن الوضع بات مختلفاً تماماً ـ حسب تصوري ـ بعد بدء العملية العسكرية ضد جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن، لذلك العرب على أعتاب مرحلة جديدة.