لا خلاف على هذه المعادلة على الإطلاق، فعلى امتداد القرون ما كان لحضارات أن تدوم وتبسط نفوذها إلا عبر القوة، والأخيرة كانت تتفرع بحسب معطيات تلك الأزمة، فتارة كانت معنية بالقوة العسكرية، وتارة بقوة العلم ومرات بقوة التجارة والاقتصاد، وغيرها من التفريعات التي تقع تحت مفهوم القوة. الحضارات التي سلمت قوتها بسهولة إما بسبب فوضى داخلية، أو ضعف في المواجهات الخارجية، أو بسبب حالات ترف زائدة أضاعت بوصلة التركيز، أو عبر تهاون وتساهل داخلي فنجح الخصوم والمتربصين في زرع أذرع انقلابية وطوابير خامسة داخلها تنخر في جسدها، كل هذه الحضارات موقعها اليوم في الكتب التاريخ.وبالحديث عما دونه التاريخ، فإن الأمة العربية عانت من مشكلة واضحة في قراءة هذا التاريخ، ونقول ذلك بناء على شواهد استشهادنا بالتاريخ، إذ الغالبية يتذكرون محطات في حياتهم كثيرة منها مستمرة حتى يومنا هذا، نتغنى فيها بمجد العرب، سواء ذاك المتعلق بالفتوحات وامتداد الرقعة الجغرافية العربية المسلمة التي وصلت للصين شرقا والأندلس وعمق أوروبا غربا، أو كانت بهيمنة الفكر والعلوم الإسلامية العربية على المعارف التي كانت تنهل منها أوروبا حينما كانت رازحة تحت مظلة سوداء قاتمة تمثلت بعصور الظلام الفكري. هذه حقب نستذكرها دوماً، نردد بشأنها في سياق الحديث أننا كنا ذات يوم في الأندلس، وكانت علومنا يأخذ بها أهل الصين، وتجارتنا كانت أبرز عنوان لمرافئ الهند، بل إن بدايات علم الطب كانت عربية، وأولى محاولة طيران قمنا بها، وغيرها وغيرها من أمور كانت تنصب العرب والمسلمين كأكبر حضارة متطورة متمدنة.نستذكر ذلك، ولسان البعض يوردها بتفاخر، لكن المنطق الأصح هنا بأن استذكارها ليس سوى بكائيات على ماض جميل من الاستحالة أن يعود، لأنه أصبح بكل بساطة إرثاً غربياً تم الاستحواذ عليه والبناء على أسسه وتطويره وترقيته ليتحول الإشعاع في كل شيء إلى منبع آخر. القراءة الصحيحة لهذا الماضي لا تخرج عن سؤال واحد على وجه التحديد مفاده؛ لماذا ضاع منا كل ذلك؟! والإجابة بكل بساطة تتمثل بما أوردناه أعلاه بشأن أسباب زوال الحضارات.اليوم من يتعامل مع الواقع ومتغيراته بأسلوب الضامن فإنه يجازف بإعادة استنساخ الماضي بنسبة كبيرة. من يظن أن العالم المتغير حوله لن يؤثر عليه فهو مخطئ. الآخرون المتربصون بغيرهم وإن امتلكوا القوة فإنهم لن ينتظروا من تلهى بأموره لينتبه ويتدارك الوضع. نكتب هذه السطور في أعقاب الأحداث الأخيرة التي بينت كيف تؤثر القوة والثبات في تعزيز هوية الدول التي تجمعها روابط مشتركة وعرق واحد وثوابت ومبادئ مشتركة، والأهم تهددها أخطار مشتركة. أمتنا العربية والإسلامية تسيّدت فترات طويلة من التاريخ، تراجعت لأسباب لا ينبغي تكرارها، فالوقت حان للعودة إلى الواجهة من جديد.
Opinion
هيبة الدول تبنيها القوة
31 مارس 2015