عندما جلست بقرب الفريق عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون في رحلة طيران الخليج من الكويت للمنامة في نوفمبر الماضي سألته: «كيف هي الأمور في اليمن؟»، فقال: «الله المستعان»، وسكت. حينها تذكرت الرجل وهو يحمل حقيبة المبادرة الخليجية في رحلات مكوكية مضنية وخطرة؛ فبالإضافة إلى الالتفاف حول بنود المبادرة من كافة الأطراف، حاصره ذات مرة في مقر سفارة الإمارات ومعه سفراء أجانب بداخلها العشرات من المسلحين. حينها كان الحوثيون يتحولون من الشخصيات الهامشية التي لا تظهر إلا على نحو شبحي بين صخور «صعدة» إلى الشخصية المركزية في المشهد اليمني، ثم جاء السفير الأممي جمال بن عمر ولم يشعر بالترحيب الحوثي عند الباب، ولم ينهض منهم أحد لتحيته عندما دخل، بل لم يردوا عليه السلام. كانت المبادرة الخليجية التي عمل الرجلان تحت مظلتها مدعومة بقرار من مجلس الأمن، لكن ذلك لم يعن للحوثيين شيئاً، فعبقرية السلاح وجاذبية توحشه ستغطى على عجز الدبلوماسية الحوثية في حصد المكاسب. وقد صدق تقدير رجال «صعدة» فانتقلت سيادتهم لصنعاء من فرضية مقلقة لحقيقة مرعبة. ومرة أخرى لم يعن لهم شيئاً أن أشر الناس من يحسن إليه الناس اتقاء شره. بل استغلوا السمعة التتارية للتوسع كقلة متوحشة فرضت أجندتها بقوة السلاح، وبالإيحاءات الإيرانية حتى وصلوا أطراف عدن. كانت غالبية القوى اليمنية تتفرج على المشهد من دون أي تدخل أو محاولة تغيير، في حين كان الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح يحاول ارتداء إحدى بذل العماد اللبناني ميشيل عون، وهو يحاول اللحاق برتل أنصار الله الحوثي عارضاً عليهم الثلث المعطل في مجلس النواب اليمني، كما فعل عون و»حزب الله» نظير عودته وابنه لسدة الحكم، يفعل ذلك دون أن يلتفت لابنه أحمد الذي كان في الوقت نفسه يحاول ارتداء بذلة للشيخ بشير الجميل قائد حزب الكتائب الذي انتخب رئيساً للبنان واغتيل قبل أن يتسلم الحكم، رغم أن طريقه كان مرصوفاً بجثث آل فرنجيه، وتحرس الدبابات الإسرائيلية رجاله حتى بعد موته وهم في طريقهم لتنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا كجزء مكمل لطقوس مأتمه.لم تكن المبادرة الخليجية تحتضر، ولم تكن دول الخليج في وارد التحرك بعد وقوع كارثة سقوط صنعاء بسياسة رد الفعل، كانت الدبلوماسية قد توقفت ولم تمت وكان تقدير الرياض أقرب للمقولة الاستراتيجية الأشهر للجنرال والمفكر العسكري البروسي «كلاوسفتز» بأن «الحرب هي امتداد للدبلوماسية بطريقة أخرى»؛ وهو توصيف مهذب بأن بديل الدبلوماسية هو دخان البنادق وارتفاع أصوات قرقعة السيوف. والمبادرة الخليجية التي أصبحت منذ 26 مارس 2015م تسير ممتشقة السيف ليست عجولة، فقد ذكر أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال لرجل من أصحابه: «لولا عجلة فيك لوليتك، ولكن الحرب زبون لا يصلح لها إلا الرجل المكيث».و»عملية عاصفة الحزم» زبون ثمين جداً، فقد كانت «العاصفة» من البلاغة أن أنصت له الحوثيون من أول طلعة جوية، ولأن الحرب أكثر أهمية من أن تترك للجنرالات وحدهم، كما قال جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا الذي قاد بلاده إلى النصر في الحرب العالمية الأولى، ولأن تحويل الانتصار العسكري إلى انتصار سياسي هو الهدف الأهم بين أهداف «عملية عاصفة الحزم» يحتم الوضع تجهيز مبادرة خليجية متطورة عما سبقها، فقد كانت المبادرة الخليجية بريئة ومخلصة فتم الالتفاف عليها، وتم تسييس مخرجاتها بسوء نية، فاعتبرها اليمنيون بعد خيبة أملهم مبادرة غير محسوبة، والمبادرة المطلوبة يجب أن تكون براغماتية تتعامل مع الواقع كما هو، ومع كافة أطراف المشهد السياسي اليمني وليست في قطيعة مع الحوثيين أو غيرهم لتشكيل حكومة إنقاذ وطني تمسك بزمام الأمور وتقود حواراً سياسياً يستهدف تفكيك الأزمة والحيلولة دون الحرب الأهلية ثم الدولة الفاشلة.
Opinion
المبادرة الخليجية تجرد سيوفها
01 أبريل 2015