من المهم جداً أن تقوم وزارة التربية والتعليم مشكورة بالتركيز على أهمية وضرورة جودة التعليم وتحسينه، وكذلك في ما يخص ساعات التمدرس وما إلى ذلك من الأمور الحديثة التي تطبق في الدول المتقدمة تعليمياً، لكن أن تكون كل هذه الأمور على حساب قضايا تعليمية وأولويات تربوية ربما تكون أكثر أهمية من كل ما ذكرناه، هنا تقع الكارثة.إن الاستغراق في قضايا الجودة وتحسين التعليم والاستغراق أو «الغرق» في مسائل تمديد ساعات التمدرس في البحرين وترتيب المدارس وحدائقها وأسلوب شكلها الخارجي، كان ولايزال على حساب مستوى مخرجات التعليم عندنا، فالمعلمون على دين مدرائهم، والمدراء على دين وكلائهم، ولهذا فإن المعلم لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يخرج عن النص المرسوم له من طرف وزارة التربية والتعليم، ولهذا سيكون جل اهتمام المعلم في أن يكون الشكل الخارجي للتعليم هو الأهم، بينما الجوهر الحقيقي لمخرجاته الفاعلة هو الهامش، ولذا أصبح مستوى التعليم في البحرين -حسب غالبية المعلمين ومعهم كل الطلبة وأولياء أمورهم- لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، بل هو أقل من أدنى درجاته.معلم يريد أن يرضي فريق الجودة أو فرق التحسين، تلكم الفرق»الجوالة» التي تزور المدارس للتأكد من تطبيق المعلم المغلوب على أمره للشكليات السطحية والتي تسمى فرق «التحسين» لتملي عليه فروضها المفروضة. حتى أصبح التعليم في البحرين اليوم لا يتعدى مسائل الاهتمام بشكليات التعليم فقط، وأصبح المعلم يشتغل طوال الوقت في نسخ التقارير المفروضة عليه، حيث لم يعد هنالك متسع من الوقت لديه كي «يتابع» مستوى الطلبة عن قرب، مما أدى ذلك لتراجع مستوى التعليم بشكل عام.أصبح الشغل الشاغل للمعلمين اليوم هو كتابة التقارير الخاصة ببنود تحسين التعليم؛ كالتحصيل الدراسي، والتدريس من أجل التعلم، والتنمية الشخصية، والتواصل مع المجتمع التعليمي، والتواصل مع المجتمع المحلي، والتعليم والتعلم، والمنهج، والرضا، وغيرها من العناوين الأخاذة، تلك التي أضاعت آلاف الساعات من أوقات المعلمين على حساب التعليم الحقيقي، وفي النهاية، وعلى الرغم من تفاني الجهات التعليمية في تلبية كل القوالب التي تمليه عليهم «بنود» فرق التحسين، إلا أن العلامة الكاملة لا يمكن أن تنالها أي جهة مدرسية «مصادر التعلم» نموذجاً!!هنالك حلقة مفقودة في عملية التحسين وربما الجودة في مدارس البحرين، فكان التململ سمة بارزة للمعلم، وبهذا السبب لا غير خرج مئات المعلمين مؤخراً للتقاعد بسبب الضغوطات التي يتعرضون لها، هم والكثير من إدارات المدارس بسبب الالتزامات المفروضة عليهم من طرف ما يسمى بفرق تحسين التعليم المبعوث من وزارة التربية والتعليم.في الوقت الذي تؤكد تلكم الفرق على تزيين المدارس وصرف آلاف الدنانير على تطوير الشكل الخارجي للمدرسة أو الفصل، هناك من المدارس التي مازالت تفتقر لأبسط المرافق الأساسية فيها كالأثاث والأجهزة المهمة، وكذلك ما تعانيه الكثير من المدارس بسبب النقص الشديد في المرافق الخاصة للمواد المستحدثة كالصعوبات والكمبيوتر، وغير المستحدثة كالفن، ناهيك عن استمرار وجود «كابينات» غير آمنة مازالت تستخدم كفصول دراسية للطلبة والتي تفتقر لأبسط مقومات السلامة والأمان.نتمنى من وزارة التربية والتعليم أن تعيد النظر في قضايا التحسين وفي بعض البرامج التي تهتم بالقشور على حساب الجوهر، وألا يكون كل ذلك على حساب التعليم أو على حساب مستوى تطوير الطلبة وتعليمهم. الجودة مهمة والتحسين ضروري، لكن يبدو أن هناك أموراً قبلية يجب أن تسبق كل ما ذكرناه، وإلا فإن التعليم في البحرين سيذهب للمجهول، بينما كان «التعليم» يا ما كان في قديم الزمان معلماً من معالم البحرين الحديثة، فمن هو المسؤول اليوم عن كوارثه الجديدة؟