قبل أشهر مرت ذكرت في أكثر من مقال أن الشرق الأوسط يعاد تشكيله من جديد، فما يحصل من فوضى ودمار كلها تمهد لتغيير استراتيجي عميق في المنطقة.إن كان هذا التغيير قادماً لا محالة فلم لا يكون ذلك بأيدينا وبالطريقة التي نريد دون أن تفرضه علينا أمريكا أو غيرها، وبعبارة أخرى فإن حكام العرب أمامهم خياران، إما أن يفتت الغرب دولهم وملكهم ويعيد تشكيلها كما يريد، وإما أن يبادروا هم ليرسموا الخارطة السياسية والجغرافية كما يريدون لا كما يريد غيرهم، فبدلاً من التفتيت يسعون لإيجاد نوع من الاتحاد أو التحالفات التي تقوي دولهم وتحول دون تفتيتها، بالتأكيد لن يسمح الغرب بذلك قدر ما يستطيع، لكن هناك حقيقة علينا إدراكها وهي أن الغرب يتعامل مع سياسة الأمر الواقع ويضع سيناريوهات مسبقة تتيح له الانتقال من وضع إلى آخر بمنتهى السهولة.لقد أثبتت الطريقة التي انطلقت بها «عاصفة الحزم»، وردود الأفعال الشعبية والدولية أن العرب قادرون على رسم خارطة وجودهم على الأرض كما يشاؤون، فعلى المستوى الشعبي تبين حجم الالتفاف وتماسك الجبهة الداخلية وتأييدها لقادتها، أما على المستوى الدولي فقد أفرزت هذه العملية مجموعة من الدول المؤيدة لها ذات الشأن المشترك، هذه الدول لو تحالفت فيما بينها لأصبحت قوة ورقماً صعباً على الساحة العالمية، فهي بين دولة نووية ذات جيش كبير العدة والعدد وأعني باكستان، وبين أخرى ذات اقتصاد وقوة عسكرية وصناعية متطورة كتركيا، وقلبها دول الخليج العربي مصدر الطاقة والمستهدف الأول من التغيير المزعوم في المنطقة، هذه الدول بينها عامل مشترك فكلها واقعة تحت هيمنة النظام العالمي الجديد المتمثل بأمريكا، ولا يمكنها بحال من الأحوال التخلص من هذه الهيمنة منفردة، وفرصتها الوحيدة في تشكيل نوع من التحالف الدائم فيما بينها، تحالف يحقق لها التكامل والقوة ويدفع عنها شبح العدوان، فمن يجرؤ على الاعتداء على دولة تقف وراءها مجموعة دول بينها النووية وذات الاقتصاد والعدد والصناعة.مرحلة ما بعد القمة العربية والاتفاق على تشكيل قوة عربية، تتطلب التوسع في إجراء حلف يضم دولاً إسلامية أخرى إلى جانب الدول العربية، خصوصاً وأن هناك شعوراً بالحاجة لهذا الحلف عند باقي الدول الإسلامية، فهذه ماليزيا تبدي رغبتها في الانضمام إلى الحلف وغيرها كثير، لقد آن الأوان ليكون للعرب والمسلمين محور عالمي يجمعهم، وسيضطر العالم للتعامل معه والاعتراف به كما هو، وقد أثبت ذلك تغير مواقف الدول وعلى رأسها أمريكا التي اضطرت لقبول وتأييد «عاصفة الحزم» مع أنها تقطع الطريق على الاستمرار بحالة الفوضى وتمددها في الدول العربية وكذلك تقلم أظافر إيران الأداة التي تنشر الفوضى.