وأخيراً؛ وبعد سباق مارثوني تم إنهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي مع مجموعة الـ (5+1)، وتم إبرام ذلك الاتفاق في لوزان السويسرية في أطول مدة تفاوض لبرنامج نووي استغرق زهاء العشرة أعوام، وتسود حالة من التفاؤل بين كافة الأطراف المتفاوضة ويبقى هذا على مستوى التصريحات الإعلامية، حيث أن ما عرض على الإعلام من بنود ذلك الاتفاق هو جانبه الفني فقط؛ أما باقي التفاصيل والتسويات السياسية للملفات الساخنة فستبقى طي الكتمان وقد كتبت ببراعة وبين السطور.دول الشرق الأوسط المغيبة هي الأكثر تحسساً وريبة من الاتفاق، وما اعتراض الكيان الصهيوني إلا كذر الرماد في العيون، حيث أنهم يعارضون بشدة أي نشاط أو برنامج نووي سلمياً كان أم عسكرياً في المنطقة، ومن المستحيل إبرامه بل البدء به دون إحاطتها علماً بأدق التفاصيل.ومعلوم أنه ليس من السهل كبح جماح إيران، وخاصة أطماعها وتوسعها وحلمها البعيد في برنامجها النووي مقترناً بهيمنتها على المنطقة، فمعروف أنها بارعة في المراوغة وإجادة أي دور مطلوب منها.إن عملية المراقبة طويلة الأمد التي وردت في بنود الاتفاق سترهق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها والدول الغربية على حد سواء، خاصة إذا انسحب الموضوع إلى شمول جميع مواقع إيران العسكرية الحساسة، والتي لم يتطرق لها الاتفاق بشكل صريح، والذي ترفضه إيران بشدة، وأبرز ما جعل المفاوض الإيراني يقبل ببنوده هو التقليص المريح لأجهزة الطرد المركزي والإبقاء على سلسلة مراحل ذلك البرنامج، عدا تقييده لمراحل تطوير الجانب التسليحي والذي مازال حبراً على ورق، كذلك تمييعه للآلية ولفترات المراقبة الذي سيمتد لعقدين من الزمن للتأكد من سلامة البرنامج، وتلك نقطة جوهرية ربما سينفذ من خلالها القائمون على البرنامج ويحققون أشواطاً بعيدة في البحوث والتخصيب بعيداً عن أعين الرقابة، خصوصاً أن مساحة إيران وتكوينها المناخي والجغرافي المتنوع التضاريس سيعقد، وربما سيعيق، وصول تلك الفرق بالتوقيت المناسب، ومن مكاسب ذلك الاتفاق ما ستحققه طهران من رفع العقوبات الاقتصادية شركاتها ومنظماتها، وعلى رأسها منظمة فيلق القدس الإرهابية والعديد من الحسابات الخاصة المجمدة لقادتها، والتي تصر طهران على رفعه كلياً، فيما ترى الدول الغربية أن يرفع تدريجياً، ولم يعد أي الخيارين معضلة، حيث ما عاد ينخر الحصار الاقتصادي في عظمها طالما أنها قد ابتلعت العراق وآباره.إن أعظم ما تخشاه دول المنطقة من الاتفاق هو الثمن الباهظ والمكافأة التي ستقدم لطهران لقبولها ببعض شروط المفاوضين، وهكذا هو حال المجتمع الدولي الذي عودنا باصطفافه دوماً مع دول العدوان وحواضن الإرهاب ليزيد من جبروتها وطغيانها.بالتأكيد لم يكن الملف الأمني الاقليمي غائباً عن تلك المحادثات، فبعد الاتفاق ستصبح المنطقة في مفترق طرق، فالمعطيات تشير بقوة بحصول تغيرات متسارعة، وربما أحد أركانها السعي لغلق ملف العراق والشام وتسليم مقاليدهما لطهران ثم السماح لها بمد أذرعها لمناطق جديدة تخطط لها منذ أمد بعيد وسيصاغ بعدها اعتراف دولي ضمني لنفوذها في الشرق الأوسط.لكن ما لم يكن في الحسبان هو انطلاق عاصفة الحزم بتوقيت استباقي وحرج جداً قبل أيام من إبرام ذلك الاتفاق، مما عرضه إلى ارتجاج لم يتوقعه المفاوض الإيراني في هذا التوقيت، وقد يكون هو العامل الأهم الذي رضخت طهران بسببه بالتخلي عن كثير من عنتها وإملاءاتها، وستظهر لنا الأيام جدية ذلك الاتفاق وأن موعد المراجعة ليس ببعيد، والذي حدد له الأول من يونيو المقبل.أما ما يدور على الأرض في الصراع اليمني فستعمد طهران لامتصاص الصدمة الأولى وستراقب مجريات الأحداث، وفي نفس الوقت ستسعى لفتح العديد من الجبهات لإشغال دول المنطقة داخلياً لفك الخناق عن الحوثيين وعملائها المزروعين، ومن جهة أخرى سيعمد التحالف الأمريكي الغربي لتقديم كل الدعم لطهران ولميلشياتها في الجبهة العراقية وإغلاق ملف داعش سريعاً، كما حصل في تكريت، وربما سيزحف قريباً إلى الموصل، لكن هذه المرة باتفاق إقليمي ستكون تركيا والأحزاب الكردية طرفاً أساسياً فيه، وخلافاً لما حدث في تكريت ثم الإيعاز لسليماني وطاقمه لإدراة المعركة المرتقبة من غرفة عمليات عدن.كل هذه التغيرات والخريطة التي ترسم لم تكن لتحدث من باب الصدفة، والتوقيت الدقيق لها يؤشر أننا أمام خارطة تحاك وتنسج خيوطها أدق من نسج الكاشان الإيراني، حيث شهدنا في أسبوع واحد حدثين هما الأهم في المنطقة والعالم؛ كانت بدايته انطلاق عاصفة الحزم ونهايته الاتفاق المريب لبرنامج إيران النووي، فهذه بتلك. إذاً هو صراع متقابل بين عاصفة ومفاعل، فمهما راوغ وحاول الأعداء فالغلبة لا محالة محسومة النتائج، مصداقاً لوعد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده»، فالمنازلة واضحة بين الحق وأعوانه والباطل وأذنابه، ولا مجال بعد ولا حجة لمن لم يحسم أمره، ولا خيار أمام قادة وشعوب المنطقة إلا الاصطفاف والاتحاد واليقظة والحذر وبأقصى درجاته.
Opinion
صراع متقابل.. بين عاصفة ومفاعل!
06 أبريل 2015