أحـــد الذيـــن تسببـــوا بمشاكـل كبيرة في العالم وقف وبجانبه وحش، أمام مجموعة أشخاص تعرضوا لهجمات من هذا الوحش، ثم بدأ ذلك الشخص بإقناع المجموعة أن من يقف بجانبه مخلوق أليف لا يؤذي أحداً وأن ما أصابهم ومزق أجزاء منهم حصل بأيديهم هم، محاولاً بذلك الاستخفاف بعقولهم.هكـــذا بــدت صورة الرئيس أوباما فـــي الحوار الذي أجراه يوم السبت الماضي في البيت الأبيض ونشر في صحيفة نيويورك تايمز، وهو يتكلم عن إيران والتهديدات التي يواجهها العرب، فبعد سنوات طويلة من التعامل والتحالف بين أمريكا والعرب مازال الأمريكان يتعاملون مع العرب على أنهم صغار لا يستطيعون حل مشاكلهم بل ولا حتى تشخيصها، فهذا أوباما يتحدث عن أكبر التهديدات التي تواجه حلفاء واشنطن من العرب ويقول «إنها لا تأتي من جهة إيران المهاجمة وإنما من الاستياء من داخل بلدانهم»، أي أن أوباما يريد إقناعنا أن اجتياح إيران للعراق وسوريا واليمن وسيطرتها على لبنان، إنما هو من محض خيالنا، أو أنه نوع من المساعدة التي يقدمها الجار لجاره، وأن ميليشيات الموت الإيرانية الطائفية التي ساحت في الدول العربية، إنما هم أبناؤنا دفعهم الإحباط والاستياء داخل أوطانهم لهذه الأعمال، وألا تهديدات تواجهنا غير التهديدات الداخلية الناتجة عن العزلة التي يعيشها شبابنا العاطلون عن العمل الذين يعانون المظلومية ويتعرضون لأيديولوجيات مدمرة ومهلكة على حد وصفه، ويبدو أن عدوى المظلومية والحديث عنها انتقل من إيران إلى أوباما.من الواضح أن السيد أوباما يريد تحويل المشكلة من مشكلة بين إيران وأتباعها من جهة والدول العربية من جهة أخرى إلى مشكلة بين الدول العربية وشعوبها، وبخصوص مشكلة سوريا قال إن الولايات المتحدة لديها رغبة للدخول هناك وفعل شيء، لكننا لا نرى عرباً يحاربون ضد الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت ضد حقوق الإنسان، ونسي أوباما أن بلاده أمريكا «داست» على حقوق الإنسان بقدميها، فلم يتذكر غزوها وتدميرها للعراق بحجة أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثروا عليها، ونسي مآسي سجن أبوغريب وأعمال القتل والاغتصاب التي مارسها جنوده، نسي إطلاق يد الميليشيات والسماح لها بانتهاكات حقوق الإنسان، نسي فعل الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن، وتحدث عن الأيديولوجيات «المدمرة» في الدول العربية التي لم تجعل أمام الشباب خياراً غير «داعش» ليلجؤوا إليها، ونسي القهر الذي تمارسه بلاده على العالم العربي والإسلامي والذي كان أحد أبرز وأهم أسباب التطرف في العالم، ليذهب بعد كل ذلك ويلقي المشكلة في ساحتنا الداخلية ويحدثنا عن ضرورة مواجهتها، أما إيران فعلينا حوارها كما يرى لأنها لا تشكل تهديداً لنا.حديث أوباما عن إيران محاولة لتجميل صورتها التي لا تختلف كثيراً عن صورة أمريكا نفسها، وهي ليست أكثر من غراب يقول لغراب وجهك أبيض.