المفروض أن «المعارضة» هنا قد استفادت من درس اليمن، فهو درس بليغ لمن يعمل من دون أن يفكر في العواقب ويضع بيضه في سلة إيران، والتي سرعان ما تبين أنها دون القدرة على تنفيذ وعودها لمن أغرتهم وزينت لهم ودعمتهم، فعندما جد الجد قالت إنها إنما تدعم اليمن معنوياً، وإنها لن تدخر وسعاً في إقناع ذوي العلاقة للحصول على هدنة والعودة إلى الحوار وإيجاد حل سياسي للأزمة. هذه هي إيران التي للأسف تشد بها «المعارضة» هنا ظهرها، وتعتقد أنها الجوكر الذي يمكن أن يكسبها في أي وقت. ها هي إيران قد أثبتت أنها لا تستطيع فعل شيء عندما يقرر العرب فعل شيء. هاهم الحوثيون يتلقون الضربات تلو الضربات وإيران لا تملك إلا أن تطالع وتسكت، بل ليس بعيداً بعد قليل أن تضع اللوم على الحوثيين وتقول إنهم استعجلوا وسارعوا إلى السيطرة على عدن فور السيطرة على صنعاء ولم يتريثوا.السلاح الذي وفرته إيران للحوثيين طوال السنوات الماضية صار خردة ولم يتمكنوا حتى من الاستفادة منه واستخدامه في مواجهة عاصفة الحزم التي جاءت لتصلح ما أفسدته إيران في هذا البلد العربي، ولتعطي مثالاً على أن إيران لا تبحث إلا عن مصلحتها وأنها سرعان ما تبيع من تناصره كي تنجو بنفسها. «عاصفة الحزم» سيطرت على أجواء اليمن والبحار المحيطة والأرض، ولم يعد بهذا أي مجال لإيران أن تفعل شيئاً سوى أن تترك الحوثيين ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم، وسوى أن تدعو إلى هدنة وإلى العودة إلى طاولة الحوار وإلى الحلول السياسية التي كان يمكن لليمنيين أن يصلوا إليها لولا تدخل إيران ودعمها المفضوح للحوثيين. ما جرى في اليمن مثال يفترض أن تستفيد منه «المعارضة» هنا، فإيران لن تفيدها، ولن يفيدها أحد لو أنها واصلت عنادها وحلمها، ويكفي أن ترى كيف أن العالم كله لم يستجب لروسيا القوية؛ لأن هذا العالم رأى من الحوثيين ما رأى وتوصل إلى قناعة بأن كل من يدافع عنهم إنما يسعى إلى تحقيق أهداف تخصه، فروسيا لا يمكن أن تسعى عبر مجلس الأمن إلى هدنة لو كانت خارج منطقة الاستفادة مما يجري، وإيران لا يمكن أن تسعى إلى الحل السياسي لو أنها كانت على علم بأن الحوثيين يمكن أن يحققوا انتصاراً في هذه الحرب التي ورطوا بها بلادهم، فأكلت الأخضر واليابس والجبل. إيران لن تورط نفسها في الحرب الدائرة الآن في اليمن، ولن تورط نفسها في أي حرب في هذه المرحلة، فما يهمها الآن هو أن تحقق أمرين اثنين؛ الأول هو رفع العقوبات الاقتصادية عنها كي تتمكن من تهدئة الداخل الذي ضج منها ومن الفقر، والثاني هو إقناع الغرب بأنها هي من يمكن أن يعتمد عليه في المنطقة.ليس بعيداً أن تكون إيران قد استجابت للغرب بعدم التدخل في اليمن وترك الحوثيين ليواجهوا مصيرهم، بل ليس بعيداً حتى أن تكون قد حصلت على مقابل لعدم تدخلها واكتفائها بالمطالبة بالحل السياسي، ولا بأس لو ظلت تردد بأن ما يجري في اليمن «عدوان»، وهو المصطلح الذي اعتمدته فضائياتها والفضائيات التابعة لها، فالغرب يعلم أن مثل هذه العبارات هي لحفظ ماء الوجه ليس إلا. من يضع بيضه في سلة إيران يخسره كله، فإيران لا تمتلك القدرة على حمل الكيس، وهي لا تتردد عن رميه على الصخر لو شعرت أن حملها له يمكن أن يؤثر على مصالحها. مؤلم أن يحدث كل هذا الذي يجري في اليمن، ومؤلم ألا تستوعب «المعارضة» هنا هذا الدرس البليغ.