ونحن نمر في دروب الحياة تواجهنا الكثير من الطرق الملتوية، والانحناءات، والمرتفعات، والمطبات، نقفزها مرة ونلف عليها مرات أخرى، حتى نتمكن من الوصول. وحياتنا الاجتماعية هي دروب، لذلك فكثير ما يحدث أن نختلف في وجهات النظر والأفكار والمواقف، وهذا هو أحد قوانين الحياة، فلولا الاختلافات ما بين الليل والنهار واختلاف السماء عن الأرض، وحركة المد والجزر في البحر والواقع اليومي، لما كانت هذه الحياة، ولكن ما يعطي المعنى للحياة هو اختلافاتنا، وهذا الاختلاف طبيعي جداً ولا يجوز أن نعطيه أكثر من حجمه، لأنه ببساطة شديدة هو أن كل منا ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة. غير أن الكثيرين من الناس يتصورون أن الاختلاف لا يجب أن يكون في الأمور الحياتية، وهذا وهم ما بعده وهم، هذا النفر من الناس يريد الجميع أن يقفوا معه، لأن رؤيته ورأيه وموقفه نابع من يقين، ولا يدري أن يقينه هذا ربما يدفع بمن حوله للذهاب إلى الهاوية.قبل فترة جاءتني رسالة في «واتساب» تتكلم عن إحدى الحكايات الواقعية التي حدثت للإمام الشافعي، والشافعي واحد من الذين طرحوا موضوع اختلافات وجهة النظر أو الرأي بصورة قوية، حتى تحولت إلى مقولة نستخدمها كما نستخدم مقولة فولتير، قال الشافعي: «كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب».ولكي نرى صحة هذه المقولة عملياً تعالوا نقرأ الحكاية التي حدثت لهذا الإمام الجليل، تقول الحكاية...اختلف يونس بن عبدالله -أحد طلاب الإمام الشافعي- مع الإمام محمد بن إدريس الشافعي في مسألة أثناء إلقائه درساً في المسجد، فقام يونس بن عبدالله مغضباً، وترك الدرس وذهب إلى بيته.فلما أقبل الليل، سمع يونس صوت طرق على باب منزله، فقال: من بالباب..؟ًقال الطارق: محمد بن إدريسقال يونس فتفكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي، وأضاف؛ فلما فتحت الباب، فوجئت به.فقال الإمام الشافعي: يا يونس تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة...؟! لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات، فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف، ولا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها، فربما تحتاجها للعودة يوماً ما، دائماً.. اكره الخطأ لكن لا تكره المخطئ، ابغض بكل قلبك المعصية لكن سامح وارحم العاصي، انتقد القول لكن احترم القائل، فإن مهمتنا هي أن نقضي على المرض لا على المرضى. إن بين الإنسان والإنسان أرضاً وسماء وعشرة ومجتمعاً واشتراكاً في نفس الجيل واشتراكاً في نفس تنفس الهواء والحلم، فإذا اختلفت وجهات نظرنا في أمر، فهذا لا يعني نهاية العالم وبداية الفرقة، لتكن صدورنا أكثر سعة من السماء وقلوبنا أكثر نبضاً بالمحبة الكونية، وإذا كان الاختلاف جزءاً من تركيبة الحياة فإن الاعتذار، اعتذار الكبير من الصغير والأستاذ من الطالب، والرجل من المرأة، والقائد من الجندي، لهو في تصوري هو ما يعطي الحياة معناها الجميل. اختلف مع الآخرين بمحبة كاختلاف الليل عن النهار، لا عداء ولا فرقة، واعتذر من الآخرين حتى لو لم تكن على خطأ، فالاعتذار سمة الأقوياء.