تحصل حالات غريبة لدينا في شأن كشف المعلومات (التي هي أصلاً موجودة ومتاحة للكل) وفي مقابلها الردود الرسمية من بعض الوزراء والقطاعات المعنية المطالبين بإيضاحها وتفسيرها.مثلاً، هناك عديد من الملاحظات والأرقام التي ينشرها ديوان الرقابة المالية والإدارية في شأن عديد من القطاعات، وهذه المحصلة النهائية لا تتم إلا بعد عمليات تدقيق في كل القطاعات المعنية، وبعلم المسؤولين عن القطاعات وبالتعاون مع المعنيين فيها، وتصل المسألة بأن لو رصدت مخالفات في وقتها وقام المعنيون على القطاع بتصحيح وضعها فإنها لا تضمن في التقرير، باعتبار أن الهدف هو بيان الخطأ وتصليحه بشكل عاجل.لكن كانت المفارقات التي تحصل ويمكن رصدها عبر صفحات الجرائد تتمثل بنشر أجزاء من التقارير التي تتحدث عن مبالغ الهدر وسوء الصرف والتوجيه، أو تلك التي تتحدث عن سوء عملية الإدارة، ويقابلها في يوم آخر رد من الوزارة المعنية أو تعقيب يتضمن «محاولة» وكأنها تهدف لدحض ما ورد أو التخفيف منه أو الإيحاء بأن ما ذكر غير صحيح أو دقيق.التعاطي الخاطئ مع تقارير ديوان الرقابة المالية يحصل على عدة أوجه، أولها التعاطي من قبل السلطة التشريعية (النواب) إن هم فقط استخدموا التقرير للبروز الإعلامي وإطلاق التصريحات ومحاولة كسب التأييد الجماهيري من شريحة الناخبين، أو من جانب مسؤولي الحكومة إن استنفروا أجهزة علاقاتهم العامة للرد على ملاحظات ديوان الرقابة على صفحات الجرائد رغم أنه كانت لديهم فرصة الرد مباشرة والتوضيح والتصحيح.أنا كمواطن يجب أن أحدد موقفي من ديوان الرقابة المالية وتقاريره، وهنا موقفي لا يخرج عن المبدأ الذي أنشئ من أجله الديوان، أي أن موقفي مؤيد لتوجه جلالة الملك حفظه الله بإنشاء الديوان وجعله جهة مستقلة تتبعه لا سلطة لأي جهة أخرى عليه، بالتالي أسلم تماماً بما ورد في تقارير الديوان من ملاحظات وأرقام واعتبرها الحقيقة الصرفة ولا يمكن التشكيك فيها بناء على رد هذا الوزير أو تعقيب تلك الوزارة.وعليه فإن الموقف خاطئ تماماً لأي مسؤول يحاول أن يخفف من نسبة الحقيقة التي وردت في تقارير الديوان، أو يحاول تقديم تبريرات أو إيضاحات تتعارض مع ما ورد في التقارير.لذلك فإننا دائماً ما نقول بأن الاستناد الأمثل لأي نائب أو أي كاتب أو أي صحيفة أو مؤسسات المجتمع المدني وحتى أفراد إن أرادوا طرق مواضيع تتعلق بالهدر المالي والإخلال الإداري يكون بالاستناد «التام» على تقارير ديوان الرقابة وما ورد فيها من معلومات وأرقام وملاحظات.ما نريده اليوم هو بالفعل استخدام مسؤول و»صادق» النوايا من قبل النواب لمعلومات تقرير الديوان، وتوظيفها في عملية السؤال والاستفسار ومن ثم المحاسبة، ونريد في المقابل تعاطي «مسؤول» مع المعنيين بحيث يعرف الناس بأن هناك توجهاً جاداً فعلياً لحل هذه الإشكاليات وعدم تكرار المخالفات وأن النظرة إلى تقارير الديوان ليست نظرة «عدائية» وأن العلاقة ليست علاقة «أضداد» بقدر ما هي نظرة تقدير لجهة تتعاون وتساعد في بيان الأخطاء، وعليه فإنها علاقة «تعاون» وليست علاقة «اختلاف» واستهداف.لو أننا تعاملنا بجدية مع تقارير ديوان الرقابة منذ صدور التقرير الأول، بحيث كنا حاسبنا المخطئ، وحرصنا على عدم تكرار ذات الأخطاء، ورفضنا مزيداً من الهدر المالي والتوظيف الخاطئ للمصروفات، لما كان حجم التقارير قد تضخم، ولما خلقت لدينا ثقافة لدى بعض الوزارات بضرورة دحض ما أورده التقرير أو الرد عليه إعلامياً، لكان الوضع محصوراً في العمل الجاد لتصحيح ما ورد في التقرير لا التفكير و»عصف الأذهان» والتخطيط بشأن كيف نرد على ملاحظات الديوان على صفحات الجرائد، وبعدها لينضم التقرير لإخوته السابقين على الرفوف.الخلاصة، الأرقام الواردة في التقارير بشأن كل قطاع، من حق المواطن أن يعرف أسبابها وآلية تجنب حدوثها مستقبلاً، والأهم هل حاسبنا المقصرين وهل هناك اعتراف صريح بوجود جوانب التقصير؟!