على البلاط الخليجي أجثو سلاماً على ركبة واحدة كالنبلاء، وأبسط جناحي الحب والفخر والولاء، ليلامس جسدي قلب البلاط وتمتد أجنحتي ما بين البحر العربي والبحر الأحمر. كيف لا.. وفي كل بلد مني شلو من أشلاء؟! البحرين قد نبضت في داخلي حباً منذ دبت في جسدي الحياة وأنا في الشهر الرابع لحمل أمي، والسعودية درعنا الحصين وملاذنا الأول يوم تشتد على مملكتنا النكبات، ولكنها الإمارات.. منارة العقل والعلم، أراد أن يستوطنها عقلي فاستوطنته! هذا هو دأبي من الخليج.. أنضوي تحت مظلات تميزه في كل بلد منه لأبدع وأتفوق وأتمتع بخليجيتي بامتياز. ولكن.. لماذا الإمارات منارة للعقل والعلم؟! تكمن في جوف هذا السؤال إجابة، لمن يتساءل عن سر تطور الدولة وتقدمها وتنافسها العالمي المستحق، هو الأمر الذي يبهرني فيها كلما زرتها لحضور ندوة أو مؤتمر أو ورشة عمل، لاسيما تلك التي تقيمها مراكز الأبحاث العلمية.لماذا الإمارات؟! إنها الرؤية الاستشرافية والنظر للمستقبل بوعي ودراية.. إنه الكف عن جلد الذات -الفن الذي يحترفه العرب والخليجيون خصوصاً- أكثر ما يميز الإمارات، تجاوزها للماضي بعد الاستفادة من دروسه، والوقوف على الحاضر بنظرات فاحصة تخضع الأشياء للدراسة والتقييم، وتستشرف مستقبلها وانعكاساته على مستقبل المنطقة والدولة خصوصاً، وهو الدور الأهم المنوط بمراكز الأبحاث في كل مكان.. ولكنهم اختلفوا في مستويات تحقيقه.تتطور الإمارات لأن الدولة تعتمد على مراكز أبحاثها في كل شاردة وواردة، ولا تتخذ قرارات اعتباطية أو عشوائية دونما العودة للبيانات والمعلومات والتحليل والرصد باستمرار.«الأمن غير الآمن: تهديدات جديدة واستراتيجيات قديمة»؛ ورشة عمل حضرتها الأسبوع الماضي في أبوظبي، بدعوة كريمة من مركز الإمارات للسياسات، تناولت فيها رئيسة المركز د.إبتسام الكتبي أسلوباً إبداعياً جديداً في طرق إدارة الجلسات دونما الوقوف على متحدثين رئيسيين؛ إذ تساوت فرص الطرح لطالبي الكلمة وهو ما جعل الجلسات أكثر ثراءً ومرونة في آن، وأتاحت للجميع أن يقدم خلاصة فكره ورؤاه في محاور معينة تصب في تخصصه واهتمامه، وركزت على محاور تستشرف المستقبل وتبحث الحلول والمبادرات الخليجية التي من شأنها الحفاظ على أمن الخليج العربي واستقراره في ظل مد الموج العاصف الذي يهدد المنطقة من كل صوب وناحية. كان هناك رفض جمعي واضح للتطرق للماضي على سبيل الاستعراض غير المبرر أو جلد الذات، كان الجميع في مزاج استشرافي لبحث سبل الخلاص من تلك الأزمات وتقييم الوضع الخليجي الراهن سياسياً وعسكرياً، وما لهما من تشابك اجتماعي ثقافي في الخليج، الجميع في مزاج خليجي مشترك يخرج كل منا عن هموم بلده منفرداً إلى مستقبل الخليج وأهله. لفتني كذلك الدقة في اختيار المشاركين من النخب السياسية والعسكرية والأكاديمية ذات الشأن الرفيع والعقول المفكرة، لضمان جودة المخرجات التي ستتمخض عنها الندوات أو ما اتفق على تسميته «ورش العمل».على أرض الخليج العربي نبت جناحاي وفي سمائه أحلق لأكتسب المزيد وأمنح كل ما لدي لضمان استقراره ورفعته.. شكراً من الأعماق د.إبتسام الكتبي على تلك الوحدة الخليجية التي استشعرناها في ربوع أبوظبي الحبيبة. - اختلاج النبض..التجربة الإماراتية الرائدة في نجاحها وعطائها العلمي، كانت نموذجاً فاخراً أصيلاً يستحق أن يحتذى به في دول الخليج كلها، لاسيما تلك التي تتربص بها مهددات أمنية كبرى.