أتصور أن اتفاق "لوزان" سيكون أشد مرارة على إيران من السم الذي تجرعه الخميني عام 1988، وأعتقد أن الورطة التي دخلوها بمحض إرادتهم، هي تكرار للسيناريو العراقي الذي انتهى بسقوط نظام صدام حسين ووأد نظام البعث وانهيار الدولة.الأسبوع الماضي كتبت بنوع من التفصيل في هذا الموضوع، وأعود للكتابة اليوم، لأن ما توقعه العبد لله صار الآن حقيقة مؤكدة، فخيارات إيران بعد "لوزان" محصورة الآن بين الإذعان أو الرفض، والقبول يعني وببساطة، وكما قال مستشار المرشد الأعلى الإيراني حسين شريعتمداري: "لقد وقعنا على هلاكنا".فبعد أن تخلص ولي الفقيه من نشوة "لوزان" وذهبت السكرة جاءت الفكرة، وهو أمر طبيعي، فثمة مجموعة من المرتكزات التي يقوم عليها مبدأ الولي الفقيه، ومن هذه المرتكزات قاعدة العداء لإسرائيل وأمريكا والغرب، وهي أداة تعبوية لإنتاج عقلي مستعبد ومشرعن بكلمة "لبيك يا فقيه"، يسهل من خلاله فرض أيديولوجيته باعتباره ممثلاً للفقيه كمنحة إلهية وكملكية خاصة، ليصبح هو الحاكم الفعلي للوعي والعقل عبر أدوات التحكم والسيطرة، وخلق وعي متحيز بالمطلق لملالي إيران لا علاقة له بالمنطق بل بالعجز عن التفكير والتدبر.والآن وبعد أن خر الولي الفقيه ساجداً صاغراً أمام الرئيس الأمريكي، ماذا سيقول لقطعان الجهلة وبؤساء العقل عن الأسباب التي دفعته للتغير المفاجئ في المواقف؟ وأين سيذهب شعار "الموت لأمريكا"؟ وهل سيتبدل بيان براءة في الحج أم يلغى؟ وكيف يمكن لولي الفقيه أن يبرر لأتباعه "الغر الميامين" هذا الأمر، فلو، كما يدعي حقاً، ولي الأمر المعين من الإمام الحجة وينوب عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض، لما سجد لأمريكا؟هل تكشف لكم كذب مبدأ ولاية الفقيه؟طبعاً، هذا في حال رفضت طهران تنفيذ اتفاق "لوزان"، ولكن ماذا في حال قبلت تنفيذ الاتفاق؟لا شك أن في ورطة "لوزان" شيء يستحق التأمل.. إنها ورطة البنود السرية وما سيظهر من تبعات له مستقبلاً، ومن خلال خبرتنا بالاتفاقات الدولية، خاصة التي يكون الأمريكان طرفاً فيها، نجد أن أغلبها تتضمن بنوداً سرية يتم التكتم عليها ولا تتسرب إلى العلن إلا بعد عشرات السنين، وتشكل البنود السرية أخطر ما في هذه الاتفاقات لأنها تتضمن تنازلات لا يستطيع أطرافها إشهارها تفادياً لردود الفعل العنيفة من قبل جماهيرها، وما يجعلنا نشكك بوجود تفاهمات سرية بين إيران والولايات المتحدة الكثير من الدلائل أهمها؛ رفض الرئيس باراك أوباما تقديم نسخة عن الاتفاق إلى الكونغرس للمصادقة عليه، وهذا يعني أن هناك ثمة تفاهمات لا يرغب الرئيس الأمريكي كشفها على الأقل في المرحلة الراهنة، رغم أن الدستور الأمريكي يوجب على الرئيس عرض أي اتفاق على الكونغرس لإقراره إلا في حالات ثلاث ليس من بينها ما ينطبق على مثل هذه الحالة!أظن أن ألف علامة تعجب لن تكون كافية لك عزيزي الموالي لإيران في إقناعك بأن ولي الفقيه ليس أكثر من عقل جامد، فهو يهرب إلى الأمام بدل التراجع إلى الخلف، خرج من النفق المظلم الذي أدخل نفسه فيه نتيجة مقامراتها لصنع القنبلة الذرية، ليدخل في وادي الإذلال بالتوقيع على اتفاق لوزان، ومن المؤكد أن هذا بداية التفكك.باختصار، والثابت والمؤكد والمعلوم بحكم تجربة العراق السابقة، أن مندوبي وكالة الطاقة الذرية لن يدخلوا إيران بصفتهم مفتشين بل جواسيس ومخبرين، ووفقاً لاتفاق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن لمفتشي الوكالة وفي سبيل الحصول على أكبر معلومات حول برنامجها النووي، الحق في تفتيش المنشآت المصرح وغير المصرح بها، بما فيه المنشآت العسكرية وصناعات الصواريخ، وهذا ما جعل رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء حسن فيروز آبادي يثور ويزبد ويرفض ويقول: "القوات المسلحة لن تسمح لأحد بالدخول إلى المنشآت العسكرية"، وتبعه وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان، فقال: "المراكز العسكرية تعد من الخطوط الحمر ولن يُسمح لأي أحد أن يقوم بتفتيشها"، لأنهم في حقيقة الأمر يعلمون أن المفتشين، علاوة على عملية التجسس، سيطالبوا بوقف إنتاج الصواريخ البالستية مثل صواريخ شهاب وتدميرها بذريعة أنها قادرة على حمل رؤوس نووية.أظن ما قلناه يشبه ما قالت الصحافية الإيرانية الأمريكية الشابة "نيغار مرتضوي" في صفحتها على موقع "تويتر": "أشعر بحماس لا يعرفه كثيرون في هذا العالم"، وقد أردفتها بفيديو لها وأصدقاء يغنون احتفاء باتفاق "لوزان"، ثم تبعتها بتغريدة أخرى: "إياكم أن تُخطئوا التقدير، هذا الاتفاق سيضعف المتشددين ويقوي المعتدلين ويشق الطريق أمام الليبراليين".وأضف من عندي كلمتين: "وسيدمر الصفويين".. يارب!!