هل تأخرت الحكومة عمداً في تقديم الميزانية للنواب حتى تضطرهم إلى النظر فيها بصفة الاستعجال؟مضى على تشكيل الحكومة ستة أشهر وهي تعمل بلا ميزانية مقرة حتى اللحظة، فهل هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجبر فيها الحكومة النواب على تبني رؤيتها الخاصة في أوجه صرف الحكومة للميزانية؟ بالضغط عليهم وبرمي الكرة في ملعبهم في اللحظات الأخيرة وإلزامهم بالموافقة دون نقاش؟لتعذرنا الحكومة هذا تهرب من المسؤولية والتفاف على حق الإرادة الشعبية في أن تأخذ وقتها في النظر في أوجه صرف موارد الدولة؟ إنه سلوك لا يخدم الحكومة بتاتاً ولا يخدم بالتالي المصالح العامة، ناهيك على أن ما تبقى من عمر المجلس لا يزيد على شهرين ورمضان على الأبواب وستحتاج الميزانية أن تناقش بتفاصيلها في الغرفتين.ثم .. أتذكرون النقاش حول ضرورة وضع تقديم مؤشرات قياس لبرامج الحكومة لنعرف إلى أين نتجه وعلى ماذا نوافق؟ حين كان التصويت على البرنامج بمثابة التصويت على الحكومة، حينها قالت الحكومة أخروا هذا النقاش إلى أن يحين موعد الميزانية لأن مؤشرات القياس مربوطة بها، ورفضت تقديم المؤشرات في ذلك الوقت وأصرت على إبقائها وكأنها سر في أدراجها إلى حين موعد تقديم الميزانية، فهل يملك النواب في هذا الوقت القصير وما تبقى من عمر المجلس ترف الوقت الكافي للنقاش والجدل حول برامج الحكومة ومؤشراتها؟!متى نتعلم أن النقاش والجدل مؤشر لعلامات الصحة والعافية السياسية، ومفيد للتنفس الحر وموسع لآفاق التفكير ويعطيك فرصة لامتحان رأيك وقرارك والتقدم بالتالي عن ثقة لعرض هذا الرأي والدفاع عنه.لقد كانت هناك مآخذ كثيرة على كل الحسابات الختامية التي نوقشت في السنوات السابقة من قبل ومن خلالها يمكن للنواب والشوريين الرجوع لمضابط الجلسات وتقارير اللجان المختصة وتقارير ديوان الرقابة المالية على الحسابات الختامية، لأنها إن دلت على شيء فإنها ستدل على أن أوجه الصرف في الميزانيات السابقة شابها الكثير من الخلل وكانت أحد أسباب زيادة الدين العام وأحد أسباب التأخر في إنجاز العديد من المشاريع الحكومية، قراءة تلك المناقشات ستكون مفيدة جداً الآن لإقرار أوجه الميزانية الحالية حتى لا تكرر الأخطاء السابقة ولا نعيد اختراع العجلة في كل مرة.في الكونغرس الأمريكي في مجلس العموم البريطاني وفي العديد من المجالس التشريعية، فإن لجنة الميزانية والحساب الختامي وتقارير الرقابة المالية لجنة منفصلة عن اللجنة المالية ومختصة فقط بتقديم تقاريرها ومختصة بمتابعة تنفيذ الميزانية وأوجه الصرف فقط فتستخدم سلطاتها واختصاصها وأدواتها الرقابية في هذه المهام وذلك لأهمية هذا الموضوع واعتباره العمود الفقري للسلطة الرقابية، فحين ترى تأخراً في إنجاز مشروع ما تستدعي الوزير وتستمع له في اللجنة عن أسباب التعثر أو التأجيل.هذا الحراك في النهاية مثلما يصب في الصالح العام فإنه كذلك يصب لصالح السلطتين، إن ذلك أفضل ألف مرة من أن تفكر السلطة التنفيذية بالالتفاف على صلاحيات النواب كخيار وحيد.